فَصَارَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُعَايِنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ.
(وَكَذَا إذَا قَالَ رَضِيت ثُمَّ رَآهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهَا، وَحَقُّ الْفَسْخُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِحُكْمِ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ لَا بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ،
«مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ» وَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَتَضْعِيفُ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ بِجَهَالَةِ عَدَالَتِهِ لَا يَنْفِي عِلْمَ غَيْرِ الْمُضَعِّفِينَ بِهَا.
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَلَمَةُ بْنُ الْمُحَبَّقِ وَابْنُ سِيرِينَ وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ سِيرِينَ أَيْضًا، وَعَمِلَ بِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَهُوَ مِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ تَضْعِيفُ ابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، فَدَلَّ قَبُولُ الْعُلَمَاءِ عَلَى ثُبُوتِهِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ عَمَلَ مَنْ ضَعَّفَ ابْنَ أَبِي مَرْيَمَ عَلَى وَفْقِ حَدِيثِهِ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى وَفْقِ الْحَدِيثِ هَلْ هُوَ تَصْحِيحٌ لَهُ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ، وَالْمُخْتَارُ لَا، مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَمَلَهُ عَنْ الْحَدِيثِ، وَقَدْ رُوِيَ الْحَدِيثُ أَيْضًا مَرْفُوعًا، رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الْهَيْثَمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ ﷺ «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّ فِي طَرِيقِهِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ عُمَرَ بْنَ إبْرَاهِيمَ الْكُرْدِيَّ نُسِبَ إلَى وَضْعِ الْحَدِيثِ.
هَذَا وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ فِي الْحَدِيثِ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ بِالْمَقْصُودِ فَهُوَ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ، عَبَّرَ بِالرُّؤْيَةِ عَنْ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ فَصَارَتْ حَقِيقَةُ الرُّؤْيَةِ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ، وَهَذَا لِوُجُودِ مَسَائِلَ اتِّفَاقِيَّةٍ لَا يُكْتَفَى بِالرُّؤْيَةِ فِيهَا.
مِثْلُ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُعْرَفُ بِالشَّمِّ كَمِسْكٍ اشْتَرَاهُ وَهُوَ يَرَاهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهُ عِنْدَ شَمِّهِ فَلَهُ الْفَسْخُ عِنْدَ شَمِّهِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ، وَكَذَا لَوْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ غَيْرُ مُعَرَّفَةٍ لِلْمَقْصُودِ الْآنَ، وَكَذَا اشْتِرَاءُ الْأَعْمَى يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ الْوَصْفِ لَهُ فَأُقِيمَ فِيهِ الْوَصْفُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (فَصَارَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُعَايِنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ) يَعْنِي فِيمَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا مُشَارًا إلَيْهِ لَا يُعْلَمُ عَدَدُ ذُرْعَانِهِ يُرِيدُ تَشْبِيهَهُ بِذَلِكَ فِي مُجَرَّدِ ثُبُوتِ الْجَوَازِ لَا بِقَيْدِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ، أَعْنِي الثَّوْبَ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى لُزُومِ ذِكْرِ الْجِنْسِ فِي هَذَا الْبَيْعِ فَيَبْقَى الْفَائِتُ مُجَرَّدَ عِلْمِ الْوَصْفِ،
وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا قَالَ رَضِيت) إلَى آخِرِهِ، أَيْ وَكَذَا لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ: يَعْنِي إذَا قَالَ رَضِيت كَائِنًا مَا كَانَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ثُمَّ رَآهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ مُعَلَّقٌ فِي النَّصِّ بِالرُّؤْيَةِ حَيْثُ قَالَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عُدِمَ قَبْلَ وُجُودِهِ وَالْإِسْقَاطُ لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الثُّبُوتِ. وَقَوْلُهُ وَحَقُّ الْفَسْخِ إلَخْ جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ وَهُوَ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ. فَإِنَّهُ إذَا أَجَازَ قَبْلَهَا لَا يَلْزَمُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute