للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِهِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ رَضِيت قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ رَدَدْت.

وَإِذَا فَسَخَ قَبْلَهَا لَزِمَ مَعَ اسْتِوَاءِ نِسْبَةِ التَّصَرُّفَيْنِ فِي تَعْلِيقِهِمَا بِالشَّرْطِ فِي الْحَدِيثِ وَلَا وُجُودَ لِلْمُعَلَّقِ قَبْلَ الشَّرْطِ.

وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ هُوَ عَدَمٌ قَبْلَ وُجُودِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبٌ غَيْرُ ذَلِكَ الشَّرْطِ، فَإِنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَثْبُتُ بِأَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ؛ فَالْحَدِيثُ لَمَّا عَلَّقَ الْخِيَارَ بِالرُّؤْيَةِ ثَبَتَ بِهِ تَعْلِيقُ كُلٍّ مِنْ الْإِجَازَةِ وَالْفَسْخِ بِهَا؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْخِيَارِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ وَأَنْ يَفْسَخَ، ثُمَّ لَمْ تَثْبُتْ الْإِجَازَةُ بِسَبَبٍ آخَرَ فَبَقِيَ عَلَى الْعَدَمِ حَتَّى يَثْبُتَ سَبَبُهُ وَهُوَ الرُّؤْيَةُ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ سَبَبُهُ وَهُوَ الْعَيْبُ قَائِمٌ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ، فَإِذَا قَالَ رَضِيت قَبْلَ الرُّؤْيَةِ سَقَطَ خِيَارُهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ لِرِضَاهُ بِالْعَيْبِ قَبْلَ ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْفَسْخُ فَثَبَتَ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ عَدَمُ لُزُومِ هَذَا الْعَقْدِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَمَا كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ عَلَيْهِ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ بِالضَّرُورَةِ كَالْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَإِلَّا فَهُوَ لَازِمٌ وَقَدْ فَرَضَ غَيْرَ لَازِمٍ، هَذَا خُلْفٌ.

وَقَدْ سَلَكَ الْمُصَنِّفُ مَسْلَكَ الطَّحَاوِيِّ فِي عَدَمِ نَقْلِ خِلَافٍ فِي جَوَازِ الرَّدِّ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ، وَنَقَلَ فِي التُّحْفَةِ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ وَأَنَّهُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِهِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ رَضِيتُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ) فَلَوْ تَمَّ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ الرِّضَا بِالْبَيْعِ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْعَيْبِ، ثُمَّ لِمَنْ يَمْنَعُ الْفَسْخَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ أَنْ يَمْنَعَ وُجُودَ سَبَبٍ آخَرَ غَيْرَ الرُّؤْيَةِ، وَقَوْلُكُمْ عَدَمُ اللُّزُومِ سَبَبٌ آخَرُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ.

قُلْنَا: نَمْنَعُ تَحَقُّقَ عَدَمِ اللُّزُومِ بَلْ نَقُولُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ الْبَيْعُ بَاتٌّ فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُهُ، فَإِنَّ الشَّارِعَ عَلَّقَ إثْبَاتَ قُدْرَةِ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ الَّتِي هِيَ الْخِيَارُ بِالرُّؤْيَةِ فَقَبْلَهُ يَثْبُتُ حُكْمُ السَّبَبِ وَهُوَ اللُّزُومُ إلَى غَايَةِ الرُّؤْيَةِ ثُمَّ يَرْفَعُهُ عِنْدَهَا فَتَثْبُتُ قُدْرَةُ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ مَعًا. وَاعْلَمْ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَثْبُتُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ لَيْسَ غَيْرَ شِرَاءِ الْأَعْيَانِ وَالْإِجَازَةِ.

وَالصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى مَالٍ عَلَى عَيْنٍ وَالْقِسْمَةِ، وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الدُّيُونِ فَلَا يَكُونُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا فِي الْأَثْمَان الْخَالِصَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ إنَاءً مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّ فِيهِ الْخِيَارَ.

وَلَوْ تَبَايَعَا مُقَايَضَةً ثَبَتَ الْخِيَارُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَمَحَلُّهُ كُلُّ مَا كَانَ فِي عَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِالْفَسْخِ لَا مَا لَا يَنْفَسِخُ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَتْ أَعْيَانًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمَّا لَمْ يُوجِبْ الِانْفِسَاخَ بَقِيَ الْعَقْدُ قَائِمًا، وَقِيَامُهُ يُوجِبُ الْمُطَالَبَةَ بِالْعَيْنِ لَا بِمَا يُقَابِلُهَا مِنْ الْقِيمَةِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ أَبَدًا، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ مَا لَمْ يَسْقُطْ

<<  <  ج: ص:  >  >>