قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ فَلَا خِيَارَ لَهُ) وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: أَوَّلًا لَهُ الْخِيَارُ اعْتِبَارًا بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْعَقْدِ بِتَمَامِ الرِّضَا زَوَالًا وَثُبُوتًا وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالْعِلْمِ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ، وَذَلِكَ بِالرُّؤْيَةِ فَلَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ رَاضِيًا بِالزَّوَالِ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالشِّرَاءِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ دُونَهُ.
وَرُوِيَ " أَنَّ
خِيَارُ الرُّؤْيَةِ مِنْهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ الْفَسْخُ عَلَى قَضَاءٍ وَلَا رِضًا بَلْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ رَدَدْت يَنْفَسِخُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، لَكِنْ بِشَرْطِ عِلْمِ الْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا هُوَ خِلَافُهُمْ فِي الْفَسْخِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ
(قَوْلُهُ وَمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ) بِأَنْ وَرِثَ عَيْنًا مِنْ الْأَعْيَانِ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى فَبَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يَرَاهَا (فَلَا خِيَارَ لَهُ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ ﵁ يَقُولُ أَوَّلًا: لَهُ الْخِيَارُ اعْتِبَارًا بِخِيَارِ الْعَيْبِ) فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ بِالزِّيَافَةِ (وَخِيَارُ الشَّرْطِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا.
وَلَوْ اخْتَصَرَ عَلَى خِيَارِ الْعَيْبِ كَانَ أَقْرَبَ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ فِي الْعَيْبِ مَعْقُولٌ لِاحْتِبَاسِ مَا هُوَ بَعْضُ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْبَائِعِ، فَكَانَ بِسَبِيلٍ مِنْ تَرْكِ حَقِّهِ أَوْ أَخْذِهِ بِأَخْذِ الثَّمَنِ وَرَدِّ الْمَبِيعِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَفِي عَدَمِ الرُّؤْيَةِ لِتَحْصِيلِ شَرْطِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْعِلْمُ التَّامُّ بِالْمَبِيعِ غَيْرَ أَنَّهُ جَوَّزَ مُتَأَخِّرًا لِلْمَصْلَحَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. ثُمَّ تَقْرِيرُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ (وَهَذَا؛ لِأَنَّ لُزُومَ الْعَقْدِ بِتَمَامِ الرِّضَا زَوَالًا) يَعْنِي فِي حَقِّ الْبَائِعِ (وَثُبُوتًا) فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي (وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ) أَيْ تَمَامُ الرِّضَا (إلَّا بِالْعِلْمِ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ، وَذَلِكَ بِالرُّؤْيَةِ) يَخَالُ أَنَّهُ قِيَاسٌ يُجَامِعُ عَدَمَ الرِّضَا بِالْبَيْعِ عَلَى الْبَتَاتِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ بِالْعَدَمِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِعَدَمِ تَمَامِ الرِّضَا بِأَحْكَامِ الْعَقْدِ فَكَذَا هُنَا.
وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ: أَعْنِي خِيَارَ الشَّرْطِ مُتَوَقِّفٌ شَرْعًا عَلَى تَرَاضِيهمَا، فَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بِتَرَاضِيهِمَا لَا إذَا سَكَتَا عَنْهُ فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ فَكَذَا هُنَا، وَلَيْسَ الْوَاقِعُ هَذَا لِظُهُورِ اخْتِلَافِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، وَلَوْ لَمْ يَخْتَلِفَا فَالْأَصْلُ مَعْدُولٌ عَنْ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، فَلِذَا حَقَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ.
وَذَكَرَ لِلْمَرْجُوعِ إلَيْهِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: (أَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالشِّرَاءِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ دُونَهُ) وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ نَفْيٌ لِلْحُكْمِ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ إذْ حَاصِلُهُ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute