قَالَ (وَلَا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ قَبْلَ الْأَخْذِ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ
مِثْلُ السَّمَكَةِ فِي جُبٍّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُؤْخَذُ إلَّا بِحِيلَةٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ عَقِيبَ الْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعَدَّهَا لِذَلِكَ لَا يَمْلِكُ مَا يَدْخُلُ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ إلَّا أَنْ يَسُدَّ الْحَظِيرَةَ إذَا دَخَلَ فَحِينَئِذٍ يَمْلِكُهُ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ يُؤْخَذُ بِلَا حِيلَةٍ جَازَ بَيْعُهُ وَإِلَّا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ لَمْ يَعُدَّهَا لِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ أَخَذَهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْحَظِيرَةِ مَلَكَهُ، فَإِنْ كَانَ يُؤْخَذُ بِلَا حِيلَةٍ جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ، أَوْ بِحِيلَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَلَيْسَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ: رَخَّصَ فِي بَيْعِ السَّمَكِ فِي الْآجَامِ أَقْوَامٌ، فَكَانَ الصَّوَابُ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ مَنْ كَرِهَهُ: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ قَالَ: " لَا تَبَايَعُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ غَرَرٌ ". وَأَخْرَجَ مِثْلَهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَجَمَةَ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهَا السَّمَكُ بِالْيَدِ وَالْغَرَرُ الْخَطَرُ، وَغَيْرُ الْمَمْلُوكِ عَلَى خَطَرٍ ثُبُوتُ الْمِلْكِ وَعَدَمُهُ فَلِذَا جُعِلَ مِنْ بَيْعِ الْخَطَرِ.
[فُرُوعٌ]
مِنْ مَسَائِلِ التَّهْيِئَةِ حَفَرَ حَفِيرَةً فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ، فَإِنْ كَانَ اتَّخَذَهَا لِلصَّيْدِ مَلَكَهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْهَا لَهُ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ.
نَصَبَ الشَّبَكَةَ لِلصَّيْدِ فَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ مَلَكَهُ، فَلَوْ كَانَ نَصَبَهَا لِيُجَفِّفَهَا مِنْ بَلَلٍ فَتَعَلَّقَ بِهَا لَا يَمْلِكُهُ، وَهُوَ لِمَنْ يَأْخُذُهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ فَيَحُوزَهُ، وَمِثْلُهُ إذَا هَيَّأَ حِجْرَهُ لِوُقُوعِ النِّثَارِ فِيهِ مَلَكَ مَا يَقَعُ فِيهِ، وَلَوْ وَقَعَ فِي حِجْرِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَيَّأَهُ لِذَلِكَ فَلِوَاحِدٍ أَنْ يَسْبِقَ فَيَأْخُذَهُ مَا لَمْ يَكْفِ حَجْرُهُ عَلَيْهِ، وَكَذَا مَنْ هَيَّأَ مَكَانًا لَلسِّرْقِينِ فَلَهُ مَا طَرَحَ فِيهِ عِنْدَ الْبَعْضِ. وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ خِلَافُ هَذَا قَالَ: أَهْلُ سِكَّةٍ يَرْمُونَ فِي سَاحَةِ رَجُلٍ الرَّمَادَ وَالتُّرَابَ وَالسِّرْقِينَ هُوَ لِمَنْ يَسْبِقُ سَوَاءٌ هَيَّأَ الْمَكَانَ لَهُ أَوْ لَا، أَمَّا النَّحْلُ إذَا عَسَلَ فِي أَرْضِ إنْسَانٍ فَهُوَ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَيْدًا بَلْ قَائِمٌ بِأَصْلِهِ بِأَرْضِهِ كَالشَّجَرِ وَالزَّرْعِ وَالْبَيْضُ كَالصَّيْدِ، وَكَذَا الْفَرْخُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِإِعْدَادِ الْمَكَانِ لِذَلِكَ
(قَوْلُهُ وَلَا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ أَخْذِهِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، وَبَعْدَ أَخْذِهِ وَإِرْسَالِهِ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ) عَقِيبَ الْعَقْدِ، ثُمَّ لَوْ قَدَرَ عَلَى التَّسْلِيمِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَعُودُ إلَى الْجَوَازِ عِنْدَ مَشَايِخِ بَلْخٍ، وَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ يَعُودُ، وَكَذَا عَنْ الطَّحَاوِيِّ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا جُعِلَ الطَّيْرُ ثَمَنًا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَجْعُولَةَ ثَمَنًا مَبِيعٌ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ. وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ: لَوْ بَاعَ طَيْرًا يَذْهَبُ وَيَجِيءُ كَالْحَمَامِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَإِنْ بَاعَ طَيْرًا لَهُ يَطِيرُ، إنْ كَانَ دَاجِنًا يَعُودُ إلَى بَيْتِهِ وَيَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ بِلَا تَكَلُّفٍ جَازَ بَيْعُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي: وَالْحَمَامُ إذَا عُلِمَ عَدَدُهَا وَأَمْكَنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute