لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ الِانْفِسَاخِ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْإِجَازَةِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَالْبَيْعُ يَفْسُدُ بِهِ، بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْغَرَرُ.
قَالَ (فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ الْمُشْتَرِي فَمَاتَ فِي يَدِهِ أَوْ قُتِلَ ثُمَّ أَجَازَ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِجَازَةَ مِنْ شُرُوطِهَا قِيَامُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَاتَ بِالْمَوْتِ وَكَذَا بِالْقَتْلِ،
لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ) أَيْ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ مِنْ الْآخَرِ (لِمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَثْبُتُ لِلْبَائِعِ مِلْكًا بَاتًّا إلَى آخِرِهِ (وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ الِانْفِسَاخِ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْإِجَازَةِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ) أَيْ بَيْعِ الْغَاصِبِ (بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (فَإِنَّهُ) أَيْ الْإِعْتَاقَ (لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ غَرَرُ) الِانْفِسَاخِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ قَبْلَ قَبْضِهِ يَجُوزُ، وَلَوْ بَاعَهُ لَا يَجُوزُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ الْبَيْعُ كَمَا يَتَوَقَّفُ الْإِعْتَاقُ. وَاسْتُشْكِلَ هَذَا التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ شَامِلٌ لِبَيْعِ الْفُضُولِيِّ مُطْلَقًا غَاصِبًا أَوْ غَيْرَ غَاصِبٍ، إذْ فِيهِ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْإِجَازَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا وَتَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ هُنَاكَ مُعَارِضًا لِغَرَرِ الِانْفِسَاخِ مُرَجِّحًا عَلَيْهِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَحَقُّقِ الْمَصَالِحِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَالْقَاصِرَةِ مِنْ غَيْرِ شَائِبَةِ ضَرَرٍ، وَلَيْسَ مِثْلُهُ ثَابِتًا فِي الْبَيْعِ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ حَتَّى يَطْلُبَ مُشْتَرِيًا آخَرَ فَتَجَرُّدُ الْبَيْعِ الثَّانِي عُرْضَةٌ لِلِانْفِسَاخِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ أَصْلًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ تَقْدِيمُ ذَلِكَ الْمُعَارِضِ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ مُجَرَّدُ غَرَرِ الِانْفِسَاخِ بِلَا اعْتِبَارِ النَّفْعِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعٌ أَصْلًا، لِأَنَّ كُلَّ بَيْعٍ فِيهِ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ خُصُوصًا فِي الْمَنْقُولَاتِ لِجَوَازِ هَلَاكِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْفَسِخُ فَالْمُعْتَبَرُ مَانِعًا غَرَرُ الِانْفِسَاخِ الَّذِي لَمْ يُشْبِهْ نَفْعًا.
وَفَرَّقَ الْعَتَّابِيُّ بِغَيْرِ هَذَا بَيْنَ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ حَيْثُ يَنْفُذُ بِالْإِجَازَةِ وَبَيْنَ بَيْعِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ بِالْإِجَازَةِ بِأَنَّ الْعِتْقَ مِنْهُ لِلْمِلْكِ فَهُوَ مُقَرَّرٌ لِلْمِلْكِ حُكْمًا، وَالْمُقَرَّرُ لِلشَّيْءِ مِنْ حُقُوقِهِ فَجَازَ أَنْ يَتَوَقَّفَ بِتَوَقُّفِهِ وَالْبَيْعُ إزَالَةٌ لَهُ بِلَا إنْهَاءٍ فَكَانَ ضِدًّا مَحْضًا لِحُكْمِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ بِتَوَقُّفِهِ وَلَا يَنْفُذُ بِنَفَاذِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَعْتَقَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ، وَلَوْ بَاعَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ
وَالرَّابِعُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ الْمُشْتَرِي وَ) لَكِنْ (مَاتَ فِي يَدِهِ أَوْ قُتِلَ ثُمَّ أَجَازَ الْبَيْعَ؟ لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِجَازَةَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute