للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِقَوْلِهِ «إذَا اُبْتُلِيَ أَحَدُكُمْ بِالْقَضَاءِ فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ وَالْإِشَارَةِ وَالنَّظَرِ» (وَلَا يُسَارُّ أَحَدَهُمَا وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّةً) لِلتُّهْمَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ مَكْسَرَةً لِقَلْبِ الْآخَرِ فَيَتْرُكُ حَقَّهُ (وَلَا يَضْحَكُ فِي وَجْهِ أَحَدِهِمَا) لِأَنَّهُ يَجْتَرِئُ عَلَى خَصْمِهِ (وَلَا يُمَازِحُهُمْ وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمْ) لِأَنَّهُ يُذْهِبُ بِمَهَابَةِ الْقَضَاءِ.

حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِك وَلَا يَيْأَسُ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِك.

(وَلَا يَسَّارِ أَحَدَهُمَا وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّتَهُ لِلتُّهْمَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ مَكْسَرَةً لِقَلْبِ الْآخَرِ فَيَتْرُكُ حَقَّهُ وَلَا يَضْحَكُ فِي وَجْهِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ يَجْتَرِئُ بِذَلِكَ عَلَى خَصْمِهِ، وَلَا يُمَازِحُهُمْ وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمْ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِمَهَابَةِ الْقَضَاءِ) وَالْمُسْتَحَبُّ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُجْلِسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا يُجْلِسُ وَاحِدًا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ لِأَنَّ لِلْيَمِينِ فَضْلًا، وَلِذَا كَانَ يَخُصُّ بِهِ أَبَا بَكْرٍ دُونَ عُمَرَ. وَفِي أَبِي دَاوُد «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ خَاصَمَهُ عَمْرُو بْنُ الزُّبَيْرِ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ عَلَى السَّرِيرِ قَدْ أَجْلَسَ عَمْرَو بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى السَّرِيرِ، فَلَمَّا جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَّعَ لَهُ سَعِيدٌ مِنْ شِقِّهِ الْآخَرِ فَقَالَ هُنَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: الْأَرْضَ الْأَرْضَ قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ ، أَوْ قَالَ: سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ يَجْلِسَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي.».

وَفِي النَّوَازِلِ وَالْفَتَاوَى الْكُبْرَى: خَاصَمَ السُّلْطَانُ مَعَ رَجُلٍ فَجَلَسَ السُّلْطَانُ مَعَ الْقَاضِي فِي مَجْلِسِهِ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُومَ مِنْ مَقَامِهِ وَيَجْلِسَ خَصْمُ السُّلْطَانِ فِيهِ وَيَقْعُدَ هُوَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَقْضِي بَيْنَهُمَا. وَبِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَظْهَرُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَصْلُحُ قَاضِيًا عَلَى السُّلْطَانِ الَّذِي وَلَّاهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قِصَّةُ شُرَيْحٍ مَعَ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ قَامَ فَأَجْلَسَ عَلِيًّا مَجْلِسَهُ، وَيَنْبَغِي لِلْخَصْمَيْنِ أَنْ يَجْثُوَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا يَتَرَبَّعَانِ وَلَا يَقْعَيَانِ، وَلَوْ فَعَلَا ذَلِكَ مَنَعَهُمَا الْقَاضِي تَعْظِيمًا لِلْحُكْمِ كَمَا يَجْلِسُ الْمُتَعَلِّمُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُعَلِّمِ تَعْظِيمًا لَهُ فَيَكُونُ بُعْدُهُمَا عَنْهُ قَدْرَ ذِرَاعَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَا أَصْوَاتَهُمَا، وَيُسْنِدُ الْقَاضِي ظَهْرَهُ إلَى الْمِحْرَابِ، وَهَذَا رَسْمُ زَمَانِنَا. قَالُوا: وَهُوَ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِفِعْلِهِ . أَمَّا فِي زَمَنِ الْخَصَّافِ وَغَيْرِهِ فَكَانَ الْقَاضِي يَجْلِسُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ؛ وَيَقِفُ أَعْوَانُ الْقَاضِي بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَكُونَ أَهَيْبَ.

وَإِذَا حَضَرَا فَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ابْتَدَأَ فَقَالَ مَا لَكُمَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمَا حَتَّى يَبْتَدِئَاهُمَا بِالنُّطْقِ، وَبَعْضُ الْقُضَاةِ يَخْتَارُ السُّكُوتَ وَلَا يُكَلِّمُهُمَا بِشَيْءٍ غَيْرِ مَا بَيْنَهُمَا، فَإِذَا تَكَلَّمَ الْمُدَّعِي أَسْكَتَ الْآخَرَ حَتَّى يَفْهَمَ حُجَّتَهُ لِأَنَّ فِي تَكَلُّمِهِمَا مَعًا شَغَبًا وَقِلَّةَ حِشْمَةٍ لِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ، ثُمَّ يَسْتَنْطِقُ الْآخَرَ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ الْمُدَّعِي ذَلِكَ. وَقِيلَ لَا إلَّا بَعْدَ سُؤَالِ الْمُدَّعِي بِأَنْ يَقُولَ اسْأَلْهُ لِكَيْ يَتَفَكَّرَ فِي الدَّعْوَى لِتَظْهَرَ لَهُ صِحَّتُهَا، وَإِلَّا قَالَ قُمْ فَصَحِّحْ دَعْوَاك، وَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى يَقُولُ فَمَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَصْنَعَ، فَإِنْ قَالَ أُرِيدُ جَوَابَهُ سَأَلَهُ. وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَسْتَنْطِقُهُ ابْتِدَاءً لِلْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ، وَإِذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهِنَّ مَعَهُمْ، وَاخْتَارَ مُحَمَّدٌ أَنْ يُقَدِّمَ الدَّعْوَى الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، وَيَضَعَ عَلَى ذَلِكَ أَمِينًا لَا يَرْتَشِي يَعْرِفُهُ السَّابِقُ، وَلْيُبَكِّرْ عَلَى بَابِ الْقَاضِي وَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ طَمَعٌ، وَلَوْ أَشْكَلَ السَّابِقُ يَقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَلَا يَسْتَعْجِلُ عَلَى الْخُصُومِ بَلْ يَتَمَهَّلُ مَعَهُمْ فَإِنَّ بِالْعُجَالَةِ تَنْقَطِعُ الْحُجَّةُ وَيُذْهَلُ عَنْهَا، وَلِهَذَا لَا يُخَوِّفُهُمْ فَيَكُونُ مَهِيبًا لَا تَخَافُهُ النَّاسُ. وَأَنْكَرَ الْأَئِمَّةُ مَا رَأَوْا

<<  <  ج: ص:  >  >>