وَيُرْوَى أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْعُسْرَةُ. وَيُرْوَى أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ إلَّا فِيمَا بَدَلُهُ مَالٌ. وَفِي النَّفَقَةِ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ إنَّهُ مُعْسِرٌ، وَفِي إعْتَاقِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ الْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ،
أَيْ قُدْرَتَهُ عَلَى الدَّيْنِ الْمُدَّعَى بِهِ، هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ (وَيُرْوَى أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) أَيْ فِيمَا كَانَ بَدَلَ مَالٍ أَوْ لَزِمَهُ بِعَقْدٍ أَوْ حُكْمًا لِفِعْلِهِ لَا لِعَقْدٍ كَالْإِتْلَافِ وَضَمَانِ الْغَصْبِ وَهُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ (لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْعُسْرَةُ) فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ لِأَنَّهُ خُلِقَ عَدِيمَ الْمَالِ، وَلِهَذَا قَالَ: إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ فَلَا يَحْبِسُهُ حَتَّى يَسْأَلَهُ أَلَك مَالٌ أَوْ لَا، فَإِنْ قَالَ لَا اسْتَحْلَفَهُ فَإِنْ نَكَلَ حَبَسَهُ، وَإِنْ حَلَفَ أَطْلَقَهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى قُدْرَتِهِ.
وَعِنْدَنَا يَحْبِسُهُ وَلَا يَسْأَلُهُ، فَإِنْ قَالَ أَنَا فَقِيرٌ حِينَئِذٍ يَنْظُرُ (وَيُرْوَى أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ) أَيْ لِلْمَدْيُونِ (إلَّا فِيمَا بَدَلُهُ مَالٌ) كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ بِخِلَافِ الْمَهْرِ وَالْكَفَالَةِ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِيهِمَا قَوْلُ الْمُدَّعِي. وَنَسَبَ الْخَصَّافُ هَذَا الْقَوْلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: يَحْكُمُ الزِّيُّ إنْ كَانَ بِزِيِّ الْفُقَرَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْفَقْرِ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ الْمُدَّعِي قُدْرَتَهُ، وَإِنْ كَانَ بِزِيِّ الْأَغْنِيَاءِ فَالْقَوْلُ لِلْمُدَّعِي إلَّا فِي الْفُقَهَاءِ وَالْعَلَوِيَّةِ وَالْعَبَّاسِيَّةِ لَا يَحْكُمُ الزِّيُّ لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّفُونَ فِي لِبَاسِهِمْ مَعَ فَقْرِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَوْ كَانَ عَلَى الْمَطْلُوبِ زِيُّ الْفُقَرَاءِ فَادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ غَيْرُ زِيِّهِ وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْأَغْنِيَاءِ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْمُدَّعِيَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْأَغْنِيَاءِ جُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعِي، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْبَيَانِ حَكَمَ زِيُّهُ فِي الْحَالِ فَيُجْعَلُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَدْيُونِ، وَكُلَّمَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَةُ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْيَسَارِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مُوسِرٌ وَهُوَ يَقُولُ أَعْسَرْت بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ فَإِنَّهَا تَقَدُّمُ لِأَنَّ مَعَهَا عِلْمًا بِأَمْرٍ حَادِثٍ وَهُوَ حُدُوثُ ذَهَابِ الْمَالِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَتَيْنِ مَحْفُوظَتَيْنِ نَصًّا عَنْ أَصْحَابِنَا بِلَا خِلَافٍ: إحْدَاهُمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ أَنَّهُ مُوسِرٌ لِتَأْخُذَ نَفَقَةَ الْيَسَارِ وَقَالَ إنَّهُ مُعْسِرٌ لِيُعْطِيَ نَفَقَةَ الْإِعْسَارِ أَنَّ الْقَوْلَ لِلزَّوْجِ، وَالثَّانِيَةُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَزَعَمَ أَنَّهُ مُعْسِرٌ فَلَا يَضْمَنُ لِلسَّاكِتِ شَيْئًا وَلَكِنْ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ وَقَالَ شَرِيكُهُ بَلْ مُوسِرٌ لِيَضْمَنَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُعْتِقِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute