للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذَا كَانَ دَخَلَ الْبَيْتَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ سِوَاهُ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْبَابِ وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ مَسْلَكٌ غَيْرُهُ فَسَمِعَ إقْرَارَ الدَّاخِلِ وَلَا يَرَاهُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِأَنَّهُ حَصَلَ الْعِلْمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.

(وَمِنْهُ مَا لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ بِنَفْسِهِ مِثْلُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَإِذَا سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ

أَشْهَدُ أَنَّهُ قَضَى، فَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَيْعَ مُعَاطَاةٍ فَفِي الذَّخِيرَةِ يَشْهَدُونَ عَلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ. وَقِيلَ يَشْهَدُونَ عَلَى الْبَيْعِ كَالْقَوْلِيِّ، وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي لِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَإِنَّمَا جَازَ الْأَدَاءُ بِلَا إشْهَادٍ لِأَنَّهُ عَلِمَ الْمُوجِبَ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ أَيْ عِلْمُ الْمُوجِبِ الرُّكْنُ الْمُسَوِّغُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لِمُسَوِّغِ الْأَدَاءِ سِوَاهُ. وَقَوْلُهُ فِي إطْلَاقٍ يَعْنِي مُطْلَقَ الْأَدَاءِ. وَاسْتَدَلَّ عَلَى تَسْوِيغِ الشَّرْعِ لِلْأَدَاءِ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ فَأَفَادَ أَنَّ مَنْ شَهِدَ عَالِمًا بِحَقٍّ كَانَ مَمْدُوحًا فَلَزِمَ أَنَّ ذَلِكَ مُطْلَقٌ شَرْعًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَمْدُوحًا. وَقَالَ «إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ» فَأَمَرَ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَ الْعِلْمِ يَقِينًا، فَعَنْ هَذَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا سَمِعْته مِنِّي ثُمَّ قَالَ بِحَضْرَتِهِ لِرَجُلٍ بَقِيَ لَك عَلَيَّ كَذَا وَغَيْرُ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: اشْتَرَى عَبْدًا وَادَّعَى عَلَى الْبَائِعِ عَيْبًا بِهِ فَلَمْ يُثْبِتْهُ فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَيْهِ هَذَا الْعَيْبَ فَأَنْكَرَ، فَاَلَّذِينَ سَمِعُوا مِنْهُ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى الْعَيْبِ فِي الْحَالِ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ عَنْ الشَّهَادَةِ فَقَالَ: هَلْ تَرَى الشَّمْسَ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ» صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ بِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ مَشْمُولٍ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَالْمَعْلُومُ أَنَّ النَّسَائِيّ ضَعَّفَهُ، وَوَافَقَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، وَفِي الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَلَوْ سَمِعَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ كَثِيفٍ لَا يَشِفُّ مِنْ وَرَائِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَلَوْ شَهِدَ وَفَسَّرَهُ لِلْقَاضِي بِأَنْ قَالَ سَمِعْته بَاعَ وَلَمْ أَرَ شَخْصَهُ حِينَ تَكَلَّمَ لَا يَقْبَلُهُ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ إلَّا إذَا أَحَاطَ بِعِلْمِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسَوِّغَ هُوَ الْعِلْمُ غَيْرَ أَنَّ رُؤْيَتَهُ مُتَكَلِّمًا بِالْعَقْدِ طَرِيقُ الْعِلْمِ بِهِ فَإِذَا فَرَضَ تَحَقُّقَ طَرِيقٍ آخَرَ جَازَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ دَخَلَ الْبَيْتَ فَرَآهُ فِيهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ أَحَدٌ غَيْرَهُ وَلَا مَنْفَذَ غَيْرُ الْبَابِ وَهُوَ قَدْ جَلَسَ عَلَيْهِ وَسَمِعَ الْإِقْرَارَ أَوْ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِمَا سَمِعَ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِهِ الْعِلْمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَنَحْوُهُ مَا فِي الْأَقْضِيَةِ: ادَّعَى عَلَى وَرَثَةٍ مَالًا فَقَالَا نَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا الْمُتَوَفَّى قَبَضَ مِنْ الْمُدَّعِي صُرَّةً فِيهَا دَرَاهِمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>