وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ. وَقِيلَ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ فِي دِيوَانِهِ أَوْ قَضِيَّتَهُ، لِأَنَّ مَا يَكُونُ فِي قِمْطَرِهِ فَهُوَ تَحْتَ خَتْمِهِ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَحَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ وَلَا كَذَلِكَ الشَّهَادَةُ فِي الصَّكِّ لِأَنَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا تَذَكَّرَ الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَ فِيهِ الشَّهَادَةُ أَوْ أَخْبَرَهُ قَوْمٌ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّا شَهِدْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ. .
الشَّهَادَةِ إذْ رَأَى وَلَمْ يَتَذَكَّرْ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْقَاضِي شَهَادَةً فِي دِيوَانِهِ: يَعْنِي رَأَى فِي دِيوَانِهِ شَهَادَةَ شُهُودٍ أُدِّيَتْ عِنْدَهُ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهَا حُكْمٌ ثُمَّ جَاءَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَطَلَبَ حُكْمَ الْقَاضِي وَالْقَاضِي لَا يَتَذَكَّرُ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَهُ شُهُودٌ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ عِنْدَهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا وَجَدَهُ فِي قِمَطْرِهِ تَحْتَ خَاتَمِهِ يَجُوزُ أَنْ يَقْضِي بِهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ.
وَكَذَا إذَا رَأَى قَضِيَّتَهُ: أَيْ رَأَى حُكْمَهُ مَكْتُوبًا فِي خَرِيطَتِهِ وَهِيَ الْقِمَطْرَةُ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ أَنَّهُ حَكَمَ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَكَى الْخِلَافَ فِيهِمَا وَاحِدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا، وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أَدَبِ الْقَاضِي مِنْ الْمَبْسُوطِ حَكَى الْخِلَافَ كَذَلِكَ فِي وِجْدَانِ صَحِيفَةِ الْحُكْمِ، وَأَمَّا فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ يَجِدُهَا فِي صَكٍّ وَعَلِمَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ الْحَادِثَةَ وَفِي الْحَدِيثِ يَجِدُهُ مَكْتُوبًا بِخَطِّهِ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ وَوَجَدَ سَمَاعَهُ مَكْتُوبًا بِخَطِّ غَيْرِهِ وَهُوَ خَطٌّ مَعْرُوفٌ فَعَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَقَدْ صَارَتْ الْفُصُولُ ثَلَاثَةً: وِجْدَانُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عِنْدَهُ أَوْ حُكْمُهُ، وَوِجْدَانُ الشَّاهِدِ خَطَّهُ، وَالرَّاوِي فِي الْحَدِيثِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخَذَ فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ بِالرُّخْصَةِ تَيْسِيرًا وَقَالَ: يُعْتَمَدُ الْخَطُّ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا، وَأَبُو يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ وَالرِّوَايَةِ أَخَذَ بِالرُّخْصَةِ لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ أَمِينِهِ.
وَفِي مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ أَخَذَ بِالْعَزِيمَةِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْخَصْمِ فَلَا يَأْمَنُ الشَّاهِدُ التَّغْيِيرَ فَلَا يُعْتَمَدُ خَطُّهُ. وَحَاصِلُ وَجْهِ غَيْرِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي صُوَرِ خِلَافِهِمْ أَنَّ وَضْعَ الْخَطِّ لِيَرْجِعَ إلَيْهِ عِنْدَ النِّسْيَانِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ، وَهُوَ يَمْنَعُ حَصْرَ الْفَائِدَةِ فِي ذَلِكَ، بَلْ صَحَّ أَنْ تَكُونَ فَائِدَتُهُ أَنْ يَتَذَكَّرَ بِرُؤْيَتِهِ عِنْدَ النِّسْيَانِ إلَّا أَنِّي أَرَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مَحْفُوظًا مَأْمُونًا عَلَيْهِ مِنْ التَّغْيِيرِ كَأَنْ يَكُونَ تَحْتَ خَتْمِهِ فِي خَرِيطَتِهِ الْمَحْفُوظَةِ عِنْدَهُ أَنْ يَتَرَجَّحَ الْعَمَلُ بِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عِنْدَ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، وَرَأَيْنَا كَثِيرًا تَتَحَاكَى خُطُوطُهُمْ حَتَّى أَنِّي رَأَيْت بِبَلْدَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة خَطَّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُعْرَفُ بِالْقَاضِي بَدْرِ الدِّينِ الدَّمَامِينِيِّ كَانَ ﵀ فَقِيهًا مَالِكِيًّا شَاعِرًا أَدِيبًا فَصِيحًا، وَخَطَّ آخَرَ بِهَا شَاهِدٌ يُعْرَفُ بِالْخَطِيبِ لَا يُفَرِّقُ الْإِنْسَانُ بَيْنَ خَطَّيْهِمَا أَصْلًا.
وَدَمَامِينُ بِالنُّونِ بَلْدَةٌ بِالصَّعِيدِ. وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِصَلَاحِهِ وَخَبَرِهِ أَنَّهُ شَاهَدَ رَجُلًا كَانَ مُعِيدًا فِي الصَّلَاحِيَةِ بِالْقُدْسِ الشَّرِيفِ وَضَعَ رَسْمَ شَهَادَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute