للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَمَلَ غَيْرَهُ.

وَلَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ. قِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ

حَاضِرَةً، فَقَالَ الْقَاضِي أَتَعْرِفَانِهَا، فَإِنْ قَالَا لَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَلَوْ قَالَا تَحَمَّلْنَاهَا عَلَى الْمُسَمَّاةِ بِفُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ وَلَا نَدْرِي أَنَّهَا هَذِهِ أَمْ لَا صَحَّتْ الشَّهَادَةُ وَكُلِّفَ الْمُدَّعِي أَنْ يَأْتِي بِآخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمَا هُنَاكَ أَقَرَّا بِالْجَهَالَةِ فَبَطَلَتْ الشَّهَادَةُ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ يُفِيدُ مَا قُلْنَاهُ.

وَمِنْهُ مَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَإِذَا سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَهُ ذَلِكَ الشَّاهِدُ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالنَّقْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِنَابَةِ وَالتَّحْمِيلِ، وَلِهَذَا لَوْ سَمِعَهُ يُشْهِدُ شَاهِدًا عَلَى شَهَادَتِهِ لَمْ يَسَعْ السَّامِعَ أَنْ يَشْهَدَ لِأَنَّهُ مَا حَمَّلَهُ وَإِنَّمَا حَمَّلَ غَيْرَهُ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ سَمِعَهُ يَشْهَدُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مُلْزِمَةٌ.

[فُرُوعٌ]

كَتَبَ إلَى آخَرَ رِسَالَةً: مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ. كَتَبْت تَتَقَاضَى الْأَلْفَ الَّتِي لَك عَلَيَّ وَكُنْت قَضَيْتُك مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ وَبَقِيَ عَلَيَّ خَمْسُمِائَةٍ، أَوْ كَتَبَ إلَى زَوْجَتِهِ: قَدْ بَلَغَنِي كِتَابُك تَسْأَلِينِي الطَّلَاقَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ سَاعَةَ كَتَبَ، وَيَنْبَغِي لِمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمَالِ وَالطَّلَاقِ وَهِيَ شَهَادَةُ حَقٍّ. بِخِلَافِ مَا لَوْ كَتَبَ صَكَّ وَصِيَّةٍ وَقَالَ لِلشُّهُودِ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ وَلَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْهِمْ، قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ.

وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهِ إذَا قَرَأَهُ عَلَيْهِمْ أَوْ رَأَوْهُ يَكْتُبُ وَهُمْ يَقْرَءُونَهُ أَوْ كَتَبَهُ غَيْرُهُ ثُمَّ قَرَأَهُ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَقَالَ لَهُمْ هُوَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ، وَلَوْ قَرَأَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ الشَّاهِدَانِ نَشْهَدُ عَلَيْك بِمَا فِيهِ فَحَرَّك رَأْسَهُ بِنَعَمْ بِلَا نُطْقٍ فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا فِي الْأَخْرَسِ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا وَقَّعَ إلَيْهِمْ وَصِيَّةً مَخْتُومَةً. وَقَالَ هَذِهِ وَصِيَّتِي وَخَتْمِي فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهِ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا كَتَبَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَأَوْدَعَهُ الشَّاهِدَ وَلَمْ يَعْرِفْ الشَّاهِدُ مَا فِيهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا فِيهِ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ كَانَ مَعْصُومًا مِنْ التَّبْدِيلِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ إذَا كَانَ الْكِتَابُ عَلَى الرَّسْمِ الْمَعْرُوفِ بِأَنْ كَانَ عَلَى وَرَقَةٍ وَعُنْوَانٍ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فِي الْكِتَابَةِ إلَى الْغَائِبِ.

وَإِذَا شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ فَقَالَ لَهُمْ لَمْ أُرِدْ الْإِقْرَارَ وَالطَّلَاقَ لَا يَدِينُهُ الْقَاضِي وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. أَمَّا لَوْ رَآهُ كَتَبَ ذِكْرَ حَقٍّ عَلَى نَفْسِهِ لِرَجُلٍ لَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ وَلَمْ يُشْهِدْهُمْ بِهِ لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِالدَّيْنِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ لِلتَّجْرِبَةِ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَرْسُومَةِ، وَبِخِلَافِ خَطِّ السِّمْسَارِ وَالصَّرَّافِ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ لِلْعُرْفِ الْجَارِي بِهِ عَلَى مَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ

(قَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لِلشَّاهِدِ إذَا رَأَى خَطَّهُ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا إذَا تَذَكَّرَ شَهَادَتَهُ) الَّتِي صَدَرَتْ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَجَزَمَ أَنَّهُ خَطَّهُ لَا يَشْهَدُ، لِأَنَّ هَذَا الْجَزْمَ لَيْسَ بِجَزْمٍ بَلْ تَخَيُّلُ الْجَزْمِ لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا هُوَ وَلَا فِي شَرْحِهِ لِلْأَقْطَعِ، وَكَذَا الْخَصَّافُ ذَكَرَهَا فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. وَلَمَّا حَكَى الْخِلَافَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَغَيْرُهُ كَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: قِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ.

وَقِيلَ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ: يَعْنِي عَدَمَ جَوَازِ

<<  <  ج: ص:  >  >>