مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ وَذَلِكَ بِالْعِلْمِ وَلَمْ يَحْصُلْ فَصَارَ كَالْبَيْعِ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ تَخْتَصُّ بِمُعَايَنَةِ أَسْبَابِهَا خَوَّاصٌ مِنْ النَّاسِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ تَبْقَى عَلَى انْقِضَاءِ الْقُرُونِ،
أَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِهِ إلَّا إنْ شَهِدَ مَوْتَهُ أَوْ سَمِعَ مِمَّنْ شَهِدَ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى.
وَالِاكْتِفَاءُ بِالْعَدْلَيْنِ نُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀: لَا يَشْهَدُ حَتَّى يَسْمَعَ مِنْ جَمَاعَةٍ، وَقَالَ الْخَصَّافُ فِي الْكُلِّ: حَتَّى يَسْمَعَ مِنْ الْعَامَّةِ وَتَتَابُعَ الْأَخْبَارُ وَيَقَعَ فِي قَلْبِهِ تَصْدِيقُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.
وَفِي الْفُصُولِ عَنْ شَهَادَاتِ الْمُحِيطِ فِي النَّسَبِ أَنْ يَسْمَعَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ جَمَاعَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ تَحِلُّ الشَّهَادَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ كَانَ يُفْتِي بِقَوْلِهِمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ النَّسَفِيِّ. وَفِي النِّكَاحِ لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ مَعَ رُؤْيَةِ دُخُولِهِ إلَى آخِرِهِ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَكَذَا الْقَضَاءُ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ الْحَقُّ.
ثُمَّ قَوْلُ أَحْمَدَ كَقَوْلِنَا فِيمَا سِوَى الدُّخُولِ. وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ. وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَحْكِ خِلَافًا بَلْ جَعَلَ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا. فَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْجَوَازِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ، فَإِنَّ الِاشْتِقَاقَ انْتِظَامُ الصِّيغَتَيْنِ مَعْنًى وَاحِدًا بَعْدَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ، وَالْمُشَاهَدَةُ مُنْتَفِيَةٌ: يَعْنِي الْقَطْعَ فَلَا تَجُوزُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، كَمَا لَوْ سَمِعَ بِالِاسْتِفَاضَةِ أَنَّهُ بَاعَ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَكَذَا غَيْرُهُ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ سَبَبٌ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سِوَى الْخَبَرِ، إذْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِحُضُورِ النَّاسِ الْوِلَادَةَ، إنَّمَا يَرَوْنَ الْوَلَدَ مَعَ أُمِّهِ أَوْ مُرْضِعَتِهِ وَيَنْسِبُونَهُ إلَى الزَّوْجِ فَيَقُولُونَ هُوَ ابْنُ فُلَانٍ، وَكَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ لَا يَحْضُرُهُ غَالِبًا إلَّا الْأَقَارِبُ، فَإِذَا رَأَوْا الْجِنَازَةَ وَالدَّفْنَ حَكَمُوا بِمَوْتِ فُلَانٍ، وَكَذَا النِّكَاحُ لَا يَحْضُرُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَإِنَّمَا يُخْبِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ فُلَانَةَ، وَكَذَا الدُّخُولُ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِأَمَارَاتِ فَإِنَّ الْوَطْءَ لَا يُشَاهَدُ، وَكَذَا وِلَايَةُ السُّلْطَانِ لِلْقَاضِي لَا يَحْضُرُهَا إلَّا الْخَوَاصُّ، وَإِنَّمَا يَحْضُرُونَ جُلُوسَهُ وَتَصَدِّيهِ لِلْأَحْكَامِ، وَإِذَا كَانَتْ الْعَادَةُ أَنَّ عِلْمَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَالِبًا لَا يَحْصُلُ إلَّا لِبَعْضِ أَفْرَادٍ وَأَنَّ النَّاسَ يَعْتَمِدُونَ فِيهِ عَلَى الْخَبَرِ كَانَ الْخَبَرُ مُسَوِّغًا لِلشَّهَادَةِ وَإِلَّا ضَاعَتْ حُقُوقٌ عَظِيمَةٌ تَبْقَى عَلَى مَرِّ الْأَعْصَارِ كَالنَّسَبِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِرْثِ وَالْمَوْتِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أُمُورٌ كَثِيرَةٌ مِثْلُ الْعِدَّةِ وَالْإِحْصَانِ وَكَمَالِ الْمَهْرِ فِي الدُّخُولِ، وَالْحَاسِمُ لِمَادَّةِ الشَّغَبِ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ ﵄ وَأَنَّهَا زَوْجَةُ النَّبِيِّ ﷺ وَأَنَّهُ دَخَلَ بِهَا، وَأَنَّ عَلِيًّا ﵁ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعُمَرَ ﵁ بْنَ الْخَطَّابِ، وَأَنَّ شُرَيْحًا كَانَ قَاضِيًا، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا ﵁ مَاتُوا وَإِنْ لَمْ نُعَايِنْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
وَحُكِيَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ ظَهِيرِ الدِّينِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute