لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا. وَشَرَطَ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ آكِلُ الرِّبَا مَشْهُورًا بِهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّمَا يَنْجُو عَنْ مُبَاشَرَةِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ رِبَا.
وَلَا مَنْ يَفْعَلُ الْأَفْعَالَ الْمُسْتَحْقَرَةَ) أَمَّا أَكْلُ الرِّبَا فَكَثِيرٌ أَطْلَقُوهُ، وَقَيَّدَهُ فِي الْأَصْلِ بِأَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِهِ فَقِيلَ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ لَوْ اُعْتُبِرَ مَانِعًا لَمْ يُقْبَلْ شَاهِدٌ لِأَنَّ الْعُقُودَ الْفَاسِدَةَ كُلَّهَا فِي مَعْنَى الرِّبَا وَقَلَّ مَنْ يُبَاشِرُ عُقُودَ الْبِيَاعَاتِ وَيَسْلَمُ دَائِمًا مِنْهُ.
وَقِيلَ لِأَنَّ الرِّبَا لَيْسَ بِحَرَامٍ مَحْضٍ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا مَعَ ذَلِكَ فَكَانَ نَاقِصًا فِي كَوْنِهِ كَبِيرَةً. وَالْمَانِعُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ مَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى إمْكَانِ ارْتِكَابِ شَهَادَةِ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ حَرَامٌ مَحْضٌ فَالدَّالُّ عَلَيْهَا لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ حَيْثُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِمَرَّةٍ. وَقِيلَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ بِهِ كَانَ الْوَاقِعُ لَيْسَ إلَّا تُهْمَةَ أَكْلِ الرِّبَا وَلَا تَسْقُطُ الْعَدَالَةُ بِهِ. وَهَذَا أَقْرَبُ وَمَرْجِعُهُ إلَى مَا ذُكِرَ فِي وَجْهِ تَقْيِيدِ شُرْبِ الْخَمْرِ بِالْإِدْمَانِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ مَحْضٍ فَلَا تَعْوِيلَ عَلَيْهِ. وَالدَّالُّ عَلَى تَجْوِيزِ شَهَادَةِ الزُّورِ مِنْهُ يَكْفِي كَوْنُهُ مُرْتَكِبًا مَحْظُورَ دِينِهِ؛ أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَ الْفَاسِقُ وَجِيهًا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِبُعْدِهِ أَنْ يَشْهَدَ بِالزُّورِ لِوَجَاهَتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ لَمْ يَرْتَضِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَالرِّبَا لَمْ يَخْتَصَّ بِعَقْدٍ عَلَى الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فِيهِ تَفَاضُلٌ أَوْ نَسِيئَةٌ، بَلْ أَكْثَرُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ.
وَنَزَلَتْ آيَةُ الرِّبَا بِسَبَبِ إقْرَاضِهِمْ الْمِقْدَارَ كَالْمِائَةِ وَغَيْرِهِ بِأَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ إلَى أَجَلٍ، فَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ فِيهِ أَرْبَى عَلَيْهِ فَتَزِيدُ الْكَمِّيَّةُ. وَهَذَا هُوَ الْمُتَدَاوَلُ فِي غَالِبِ الْأَزْمَانِ لَا بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ فَرُبَّمَا لَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ أَصْلًا أَوْ إلَّا قَلِيلًا. وَأَمَّا أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ أَحَدٌ وَنَصُّوا أَنَّهُ بِمَرَّةٍ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الظُّهُورِ لِلْقَاضِي، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَرُدُّ بِهِ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ فَكَأَنَّهُ بِمَرَّةٍ يَظْهَرُ لِأَنَّهُ يُحَاسَبُ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ اسْتَنْقَصَ مِنْ الْمَالِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِسْقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَانِعٌ شَرْعًا، غَيْرَ أَنَّ الْقَاضِي لَا يُرَتِّبُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ ظُهُورِهِ لَهُ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ وَلِذَا نَقُولُ: إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ رَدَّ شَهَادَتَهُ سَوَاءٌ قَامَرَ بِهِ أَوْ لَمْ يُقَامِرْ، لِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَلَعِبُ الطَّابِ فِي بِلَادِنَا مِثْلَهُ لِأَنَّهُ يَرْمِي وَيَطْرَحُ بِلَا حِسَابٍ وَإِعْمَالِ فِكْرٍ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ مِمَّا أَحْدَثَهُ الشَّيْطَانُ وَعَمِلَهُ أَهْلُ الْغَفْلَةِ فَهُوَ حَرَامٌ سَوَاءٌ قُومِرَ بِهِ أَوْ لَا.
فَأَمَّا الشِّطْرَنْجُ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي إبَاحَتِهِ، فَعِنْدَنَا لَا يَجُوزُ، وَكَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِمَا رَوَيْنَاهُ، فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّ النَّرْدَشِيرَ هُوَ الشِّطْرَنْجُ، وَلِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْكَرَاهَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ قَوْلِهِ ﵊ «كُلُّ لَهْوِ الْمُؤْمِنِ بَاطِلٌ إلَّا ثَلَاثَةً: تَأْدِيبَهُ لِفَرَسِهِ، وَمُنَاضَلَتَهُ عَنْ قَوْسِهِ، وَمُلَاعَبَتَهُ مِنْ أَهْلِهِ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْهُ ﵊ لَيْسَ مِنْ اللَّهْوِ إلَّا ثَلَاثٌ: تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتُهُ أَهْلَهُ، وَرَمْيُهُ بِقَوْسِهِ وَنَبْلِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute