وَقِيلَ الْعَامِلُ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ لَا يُجَازِفُ فِي كَلَامِهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا مَرَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀ فِي الْفَاسِقِ، لِأَنَّهُ لِوَجَاهَتِهِ لَا يَقْدُمُ عَلَى الْكَذِبِ حِفْظًا لِلْمُرُوءَةِ وَلِمَهَابَتِهِ لَا يُسْتَأْجَرُ عَلَى الشَّهَادَةِ الْكَاذِبَةِ.
قَالَ (وَإِذَا شَهِدَ الرَّجُلَانِ أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَى فُلَانٍ وَالْوَصِيُّ يَدَّعِي ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَصِيُّ لَمْ يَجُزْ) وَفِي
السُّلْطَانِ، لِأَنَّ الْعَمَلَ نَفْسَهُ لَيْسَ بِفِسْقٍ لِأَنَّهُ مُعِينٌ لِلْخَلِيفَةِ عَلَى إقَامَةِ الْحَقِّ وَجِبَايَةِ الْمَالِ الْوَاجِبِ، وَلَوْ كَانَ فِسْقًا لَمْ يَلِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ لِعُمَرَ وَكَثِيرٌ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قِيلَ، وَلَوْ كَانَ فِسْقًا لَمْ يَلِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ ﵃ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ خَلْفَاءُ وَالْعُمَّالُ فِي الْعُرْفِ مَنْ يُوَلِّيهِمْ الْخَلِيفَةُ عَمَلًا يَكُونُ نَائِبَهُ فِيهِ، وَكَانَ الْغَالِبُ فِيهِمْ الْعَدَالَةُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَتُقْبَلُ مَا لَمْ يَظْهَرْ وَيَنْقَشِعْ عَنْهُ الظُّلْمُ كَالْحَجَّاجِ. وَقِيلَ أَرَادَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَاسِقِ الْوَجِيهِ وَعَلِمْتَ مَا فِيهِ وَرَدَّهُ شَهَادَةَ الْوَزِيرِ لِقَوْلِهِ لِلْخَلِيفَةِ أَنَا عَبْدُك يُبْعِدُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ. وَقِيلَ أَرَادَ بِالْعُمَّالِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ وَيُؤَاجِرُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْعَمَلِ، لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ رَدَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ الْخَسِيسَةِ فَأَفْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِإِظْهَارِ مُخَالَفَتِهِمْ، وَكَيْفَ لَا وَكَسْبُهُمْ أَطْيَبُ كَسْبٍ، وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ شَهَادَةَ الرَّئِيسِ لَا تُقْبَلُ، وَكَذَا الْجَابِي وَالصَّرَّافُ الَّذِي يَجْمَعُ عِنْدَهُ الدَّرَاهِمَ وَيَأْخُذُهَا طَوْعًا لَا تُقْبَلُ. وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ الْقَائِمَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْجِبَايَاتِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَأْجُورٌ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ ظُلْمًا، فَعَلَى هَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَالْمُرَادُ بِالرَّئِيسِ رَئِيسُ الْقَرْيَةِ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي بِلَادِنَا شَيْخَ الْبَلَدِ. وَمِثْلُهُ الْمُعَرِّفُونَ فِي الْمَرَاكِبِ وَالْعُرَفَاءُ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ وَضُمَّانُ الْجِهَاتِ فِي بِلَادِنَا لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ أَعْوَانٌ عَلَى الظُّلْمِ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدَ الرَّجُلَانِ) صُورَتُهَا: رَجُلٌ ادَّعَى أَنَّهُ وَصِيُّ فُلَانٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute