. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالِ بِمَا لَيْسَ هُوَ مِنْ تَوَابِعِ الصَّلَاةِ يُصَحِّحُ كَوْنَهُ دُبُرَهَا وَكَوْنَهُ ﷺ إنَّمَا كَانَ يُصَلِّي السُّنَنَ فِي الْمَنْزِلِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، فَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ قَوْلُهُ لَهَا قَبْلَهَا غَيْرُ لَازِمٍ، بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهَا بَعْدَهَا فِي الْمَنْزِلِ، وَلَا يُمْتَنَعُ نَقْلُهُ فَكَثِيرًا مَا نَقَلُوا مِمَّا كَانَ مِنْ عَمَلِهِ فِي الْبَيْتِ إمَّا بِوَاسِطَةِ نِسَائِهِ أَوْ بِسَمَاعِهِمْ صَوْتَهُ، وَكَانَتْ حُجْرَةً ﷺ صَغِيرَةً قَرِيبَةً جِدًّا، أَوْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَهَا حَالَ قِيَامِهِ مُنْصَرِفًا إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ جَالِسًا بَعْدَ صَلَاةٍ لَا سُنَّةَ بَعْدَهَا كَالْفَجْرِ وَالْعَصْرِ.
وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ «أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «كُنْتُ أَعْلَمُ إذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إذَا سَمِعْتُهُ وَفِي لَفْظٍ: مَا كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ»، مَعَ مَا عُلِمَ مِمَّا سَنُثْبِتُهُ بِالصِّحَاحِ مِنْ الْأَخْبَارِ مِنْ أَنَّهُ ﷺ إنَّمَا كَانَ يُصَلِّي السُّنَنَ فِي الْمَنْزِلِ، بَلْ وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ يُصَلِّيهَا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى مَا فِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ «أَنَّهُ ﷺ أَتَى مَسْجِدَ عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَصَلَّى فِيهِ الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا قَضَوْا صَلَاتَهُمْ رَآهُمْ يُسَبِّحُونَ: أَيْ يَتَنَفَّلُونَ، فَقَالَ: هَذِهِ صَلَاةُ الْبُيُوتِ» لَا يَسْتَلْزِمُ الْفَصْلَ بِأَكْثَرَ، وَمَا الْمَانِعُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ الذِّكْرِ هُوَ ذَلِكَ الْقَدْرُ يَرْفَعُونَ بِهِ أَصْوَاتَهُمْ إذَا فَرَغُوا.
وَأَمَّا التَّكْبِيرُ الْمَرْوِيُّ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، قِيلَ لَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ قَالَهُ إلَّا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْبُعُوثِ وَالْعَسَاكِرِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ ثَلَاثُ تَكْبِيرَاتٍ عَالِيَةٍ؛ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ ﷺ الْفَصْلُ بِالْأَذْكَارِ الَّتِي يُوَاظَبُ عَلَيْهَا فِي الْمَسَاجِدِ فِي عَصْرِنَا مِنْ قِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالتَّسْبِيحَاتِ وَأَخَوَاتِهَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَغَيْرِهَا بَلْ نَدَبَ هُوَ إلَيْهَا، وَالْقَدْرُ الْمُتَحَقِّقُ أَنَّ كُلًّا مِنْ السُّنَنِ وَالْأَوْرَادِ لَهُ نِسْبَةٌ إلَى الْفَرَائِضِ بِالتَّبَعِيَّةِ، وَاَلَّذِي ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُ السُّنَّةَ عَنْهُ مِنْ الْأَذْكَارِ، وَهُوَ مَا رَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكَتْ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» فَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْمُرَادِ، وَمَا يَتَخَايَلُ أَنَّهُ يُخَالِفُهُ لَمْ يَقْوَ قُوَّتَهُ، أَوْ لَمْ تَلْزَمْ دَلَالَتُهُ عَلَى مَا يُخَالِفُهُ فَوَجَبَ اتِّبَاعُ هَذَا النَّصِّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ عَنْهَا هَذَا هُوَ قَوْلُهَا لَمْ يَقْعُدْ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ، وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ سُنِّيَّةَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إذْ لَمْ تَقُلْ إلَّا حَتَّى يَقُولَ أَوْ إلَى أَنْ يَقُولَ، فَيَجُوزُ كَوْنُهُ ﷺ كَانَ مَرَّةً يَقُولُهُ وَمَرَّةً يَقُولُ غَيْرَهُ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إلَخْ، وَمَا ضُمَّ إلَيْهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْله لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ إلَخْ، وَمُقْتَضَى الْعِبَارَةِ حِينَئِذٍ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَفْصِلَ بِذَكَرٍ قَدْرِ ذَلِكَ وَذَلِكَ يَكُونُ تَقْرِيبًا، فَقَدْ يَزِيدُ قَلِيلًا وَقَدْ يَنْقُصُ قَلِيلًا، وَقَدْ يُدْرِجُ وَقَدْ يُرَتِّلُ فَأَمَّا مَا يَكُونُ زِيَادَةً غَيْرَ مُقَارِبَةٍ مِثْلَ الْعَدَدِ السَّابِقِ مِنْ التَّسْبِيحَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute