للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ.

وَلَوْ قَضَى بَعْضَ الْفَوَائِتِ حَتَّى قَلَّ مَا بَقِيَ عَادَ التَّرْتِيبَ عِنْدَ الْبَعْضِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ تَرَكَ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَجَعَلَ يَقْضِي مِنْ الْغَدِ مَعَ كُلِّ وَقْتِيَّةٍ فَائِتَةً فَالْفَوَائِتُ جَائِزَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالْوَقْتِيَّاتُ فَاسِدَةٌ إنْ قَدَّمَهَا لِدُخُولِ الْفَوَائِتِ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ،

فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَا يَسْتَقِيمُ لِتَضَمُّنِهِ تَفْوِيتَ الْوَقْتِيَّةِ انْتَهَى، فَهَذَا يُوَضِّحُ لَك أَنَّ خِلَافَ هَؤُلَاءِ فِيمَا وَرَاءَ الثِّنْتَيْنِ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ إيجَابِ سَبْعٍ بِإِيجَابِ التَّرْتِيبِ، وَهُوَ كَسَبْعِ فَوَائِتَ مَعْنًى لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ إيجَابَ التَّرْتِيبِ فِي قَضَائِهَا يُوجِبُ سَبْعَ صَلَوَاتٍ، فَإِذَا كَانَ التَّرْتِيبُ يَسْقُطُ بِسِتٍّ فَأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ بِسَبْعٍ، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى لَمْ يَعْتَبِرُوا إلَّا تَحَقُّقَ فَوَائِتَ سِتٍّ، وَالْأَوَّلُونَ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِالسِّتِّ مَوْجُودٌ فِي إيجَابِ سَبْعٍ، فَظَهَرَ بِهَذَا مَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ كَمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ) وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ لِأَنَّ هَذَا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٌ.

وَمَا قَالُوا يُؤَدِّي إلَى التَّهَاوُنِ لَا إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ، فَإِنَّ مَنْ اعْتَادَ تَفْوِيتَ الصَّلَاةِ وَغَلَبَ عَلَى نَفْسِهِ التَّكَاسُلُ لَوْ أَفْتَى بِعَدَمِ الْجَوَازِ يُفَوِّتُ أُخْرَى وَهَلُمَّ جَرًّا حَتَّى يَبْلُغَ حَدَّ الْكَثْرَةِ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ) خِلَافُ مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ وَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَغَيْرُهُمْ، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَنْ مُحَمَّدِ فِيهِ نَظَرٌ نَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ) أَيْ سَوَاءٌ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ (وَالْوَقْتِيَّاتُ فَاسِدَةٌ إنْ قَدَّمَهَا) أَيْ عَلَى الْفَوَائِتِ.

وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الْوَقْتِيَّةَ صَارَتْ هِيَ سَادِسَةَ الْمَتْرُوكَاتِ فَسَقَطَ التَّرْتِيبُ. فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَعُودَ كَانَ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا قَضَى بَعْدَهَا فَائِتَةً حَتَّى عَادَتْ الْمَتْرُوكَاتُ إلَى خَمْسٍ أَنْ تَجُوزَ الْوَقْتِيَّةُ الثَّانِيَةُ قَدَّمَهَا أَوْ أَخَّرَهَا. وَإِنْ وَقَعَتْ بَعْدَ عِدَّةٍ لَا تُوجِبُ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ: أَعْنِي خَمْسًا أَوْ أَرْبَعًا لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى الْخَمْسِ، وَجْهُ النَّظَرِ أَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ التَّرْتِيبُ أَصْلًا، فَإِنَّ سُقُوطَهُ بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ وَهُوَ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى صَارَتْ خَمْسًا بِقَضَاءِ الْفَائِتَةِ، وَلَا يُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ اعْتِبَارِ دُخُولِ وَقْتِ السَّادِسَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَفْسُدْ الْوَقْتِيَّاتُ، فَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّرْتِيبَ إذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ كَمَاءٍ نَجِسٍ دَخَلَ عَلَيْهِ مَاءٌ جَارٍ حَتَّى سَالَ ثُمَّ عَادَ قَلِيلًا لَمْ يَعُدْ نَجَسًا، فَلِذَا صَحَّحَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ لَا يَعُودُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ إبْطَالَ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ الْمَدْلُولِ فَكَيْفَ بِالِاسْتِشْهَادِ.

وَحَاصِلُهُ بُطْلَانُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَصًّا مِنْ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلْيَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، لَكِنَّ الْوَجْهَ يُسَاعِدُهُ بِجَعْلِهِ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ كَانَ بِعِلَّةِ الْكَثْرَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْحَرَجِ، أَوْ أَنَّهَا مَظِنَّةُ تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ، فَلَمَّا قُلْت زَالَتْ الْعِلَّةُ فَعَادَ الْحُكْمُ الَّذِي كَانَ قَبْلُ، وَهَذَا مِثْلُ حَقِّ الْحَضَانَةِ الثَّابِتِ لِمُحْرِمِ الصَّغِيرِ مِنْ النِّسَاءِ يَنْتَهِي بِالتَّزَوُّجِ، فَإِذَا زَالَ التَّزَوُّجُ عَادَ لَا أَنَّهُ سَقَطَ فَيَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>