للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ سَأَلَتْهُ عَنْ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ؛ قُلْنَا: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ.

قَالَ (وَلَا يَدْفَعُ إلَى مُكَاتَبِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ) لِفُقْدَانِ التَّمْلِيكِ إذَا كَسَبَ الْمَمْلُوكُ لِسَيِّدِهِ وَلَهُ حَقٌّ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ فَلَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ (وَلَا إلَى عَبْدٍ قَدْ أَعْتَقَ بَعْضَهُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَقَالَا: يَدْفَعُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ

حَاجَتُهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ قَالَتْ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلَالٌ فَقُلْت: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ فَأَخْبِرْهُ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ بِالْبَابِ تَسْأَلَانِكَ هَلْ تُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا، وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا وَلَا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ، قَالَتْ: فَدَخَلَ بِلَالٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : مَنْ هُمَا:؟ قَالَ: امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَزَيْنَبُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَيُّ الزَّيَانِبِ؟ قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ. فَقَالَ : لَهُمَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ».

وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ فِيهِ «فَلَمَّا انْصَرَفَ وَجَاءَ إلَى مَنْزِلِهِ: يَعْنِي النَّبِيَّ جَاءَتْهُ زَيْنَبُ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهَا فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ: إنَّكَ أَمَرْتَنَا بِالصَّدَقَةِ وَعِنْدِي حُلِيٌّ لِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدُهُ أَحَقُّ مَنْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ : صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ زَوْجُكَ وَوَلَدُكَ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَيْهِمْ» وَلَا مُعَارِضَةَ لَازِمَةً بَيْنَ هَذِهِ الْأُولَى فِي شَيْءٍ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ.

قَوْلُهُ " وَوَلَدُك " يَجُوزُ كَوْنُهُ مَجَازًا عَنْ الرَّبَائِبِ وَهُمْ الْأَيْتَامُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَكَوْنُهُ حَقِيقَةً وَالْمَعْنَى أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ إذَا تَمَلَّكَهَا أَنْفَقَهَا عَلَيْهِمْ وَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَدَقَةِ نَافِلَةٍ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي كَانَ يَتَخَوَّلُ بِالْمَوْعِظَةِ وَالْحَثِّ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ هَلْ يُجْزِئُ إنْ كَانَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الْحَادِثُ لَا يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا إلَّا فِي الْوَاجِبِ، لَكِنْ كَانَ فِي أَلْفَاظِهِمْ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ النَّفْلِ لِأَنَّهُ لُغَةً الْكِفَايَةُ، فَالْمَعْنَى: هَلْ يَكْفِي التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ فِي تَحْقِيقِ مُسَمَّى الصَّدَقَةِ وَتَحْقِيقِ مَقْصُودِهَا مِنْ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَسْلَمُ الْقِيَاسُ حِينَئِذٍ عَنْ الْمُعَارِضِ

(قَوْلُهُ: وَلَهُ حَقٌّ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ) وَلِذَا لَوْ تَزَوَّجَ بِأَمَةِ مُكَاتَبِهِ لَمْ يَجُزْ بِمَنْزِلَةِ تَزَوُّجِهِ بِأَمَةِ نَفْسِهِ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ) أَمَّا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ أَعْتَقَ بَعْضُهُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ أَوْ لِلْمَفْعُولِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَصْلُحُ التَّعْلِيلُ لَهُمَا بِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ، إذْ هُوَ حُرٌّ كُلُّهُ بِلَا دَيْنٍ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَإِعْتَاقُ بَعْضِهِ إعْتَاقُ كُلِّهِ وَعَلَى الثَّانِي لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ عَدَمَ الْإِعْطَاءِ بِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُكَاتَبٌ لِلْغَيْرِ، وَهُوَ مُصَرَّفٌ بِالنَّصِّ، فَلَا يَعْرَى عَنْ الْإِشْكَالِ وَيَحْتَاجُ فِي دَفْعِهِ إلَى تَخْصِيصِ الْمَسْأَلَةِ. فَإِنْ قُرِئَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ فَالْمُرَادُ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ أَعْتَقَ هُوَ نَصِيبَهُ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ لِلِابْنِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ كَمُكَاتَبِ ابْنِهِ، وَكَمَا لَا يَدْفَعُ لِابْنِهِ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ لِمُكَاتَبِهِ.

وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ لِلِابْنِ. وَإِنْ قُرِئَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَالْمُرَادُ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَيَسْتَسْعِيهِ السَّاكِتُ فَلَا يَجُوزُ لِلسَّاكِتِ الدَّفْعُ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَمُكَاتَبِ نَفْسِهِ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَدْيُونُهُ وَهُوَ حُرٌّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ الْإِنْسَانُ

<<  <  ج: ص:  >  >>