وَقَالَ زُفَرُ ﵀: يَتَأَدَّى صَوْمُ رَمَضَانَ بِدُونِ النِّيَّةِ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ يُؤَدِّيهِ يَقَعُ عَنْهُ، كَمَا إذَا وَهَبَ كُلَّ النِّصَابَ مِنْ الْفَقِيرِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ الْإِمْسَاكُ بِجِهَةِ الْعِبَادَةِ وَلَا عِبَادَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَفِي هِبَةِ النِّصَابِ وُجِدَ نِيَّةُ الْقُرْبَةِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ (وَمَنْ أَصْبَحَ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ فَأَكَلَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀. وَقَالَ زُفَرُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِغَيْرِ النِّيَّةِ عِنْدَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إذَا أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ فَوَّتَ إمْكَانَ التَّحْصِيلِ فَصَارَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀: أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَعَلَّقَتْ بِالْإِفْسَادِ وَهَذَا امْتِنَاعٌ إذْ لَا صَوْمَ إلَّا بِالنِّيَّةِ
(قَوْلُهُ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ) قَيَّدَ بِهِمَا لِأَنَّ الْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ النِّيَّةِ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ التَّعَيُّنِ فِي حَقِّهِمَا.
(قَوْلُهُ كَمَا إذَا وَهَبَ النِّصَابَ مِنْ الْفَقِيرِ) أَيْ عَلَى مَذْهَبِكُمْ فَهُوَ إلْزَامِيٌّ مِنْ زُفَرَ، فَإِنَّ إعْطَاءَ النِّصَابِ فَقِيرًا وَاحِدًا عِنْدَهُ لَا يَقَعُ بِهِ عَنْ الزَّكَاةِ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ أَيْضًا فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِالْأَكْلِ فِيهِ عِنْدَ زُفَرَ تَجِبُ مُطْلَقًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ مُطْلَقًا، وَعِنْدَهُمَا التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَأْكُلَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَتَجِبَ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ.
(قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَعَلَّقَتْ بِالْإِفْسَادِ وَهَذَا امْتِنَاعٌ) عَنْهُ لَا إفْسَادَ لِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الشُّرُوعِ إلَّا أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute