للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا إذَا أَفْتَاهُ فَقِيهٌ بِالْفَسَادِ لِأَنَّ الْفَتْوَى دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ فِي حَقِّهِ، وَلَوْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَاعْتَمَدَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، لِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ لَا يَنْزِلُ عَنْ قَوْلِ الْمُفْتِي، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافُ ذَلِكَ، لِأَنَّ عَلَى الْعَامِّيِّ الِاقْتِدَاءَ بِالْفُقَهَاءِ لِعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ فِي حَقِّهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحَادِيثِ، وَإِنْ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ، وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ لَا يُورِثُ الشُّبْهَةَ لِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ.

الرَّسُولِ أَوْلَى، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُسْقِطُهَا (لِأَنَّ عَلَى الْعَامِّيِّ الِاقْتِدَاءَ بِالْفُقَهَاءِ لِعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ فِي حَقِّهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحَادِيثِ) فَإِذَا اعْتَمَدَهُ كَانَ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ لَا يَقُومُ شُبْهَةً مُسْقِطَةً لَهَا (وَإِنْ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ) ثُمَّ أَكَلَ (تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ، وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ) إنَّهُ يُفْطِرُ (لَا يُورِثُ شُبْهَةً لِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ) مَعَ فَرْضِ عِلْمِ الْآكِلِ كَوْنَ الْحَدِيثِ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ، ثُمَّ تَأْوِيلَهُ أَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ، أَوْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ.

وَلَا بَأْسَ بِسَوْقِ نُبْذَةٍ تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ.

رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَتَى عَلَى رَجُلٍ يَحْتَجِمُ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ، وَنُقِلَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي الْبَابِ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ «شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ مَرَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ زَمَنَ الْفَتْحِ عَلَى رَجُلٍ يَحْتَجِمُ بِالْبَقِيعِ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» وَصَحَّحُوهُ.

وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيحٌ، حَدِيثَيْ ثَوْبَانَ وَشَدَّادٍ، وَعَنْ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثُ ثَوْبَانَ وَحَدِيثُ شَدَّادَ صَحِيحَانِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْهُ قَالَ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» وَصَحَّحَهُ.

قَالَ: وَذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّهُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ هَذَا.

وَبَلَغَ أَحْمَدَ أَنَّ ابْنَ مَعِينٍ ضَعَّفَهُ، وَقَالَ: إنَّهُ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ وَلَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ، فَقَالَ: إنَّ هَذَا مُجَازَفَةٌ.

وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: ثَابِتٌ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: مُتَوَاتِرٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ مَا قَالَهُ بِبَعِيدٍ، وَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَلْيَنْظُرْ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ وَالسُّنَنِ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِيِّ وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفْطِرُ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: ادِّعَاءُ النَّسْخِ، وَذَكَرُوا فِيهِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>