للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْفِطْرَ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ، وَالْحَدِيثُ مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ.

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ رَوْحٌ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مُعْتَمِرٍ عَنْ ابْنِ خُثَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.

قَالَ أَحْمَدُ: فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَذْكُرُونَ صَائِمًا فَلَيْسَ بِلَازِمٍ إذْ قَدْ رَوَاهُ عَنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِكْرِمَةُ وَمِقْسَمٌ، وَيَجُوزُ كَوْنُ مَا وَقَعَ فِي تِلْكَ الطُّرُقِ عَنْ أُولَئِكَ اقْتِصَارًا مِنْهُمْ عَلَى بَعْضِ الْحَدِيثِ يَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لِصِحَّةِ ذِكْرِ صَائِمٍ، أَوْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حِينَ حَدَّثَ بِهِ لِكَوْنِ غَرَضِهِ إذْ ذَاكَ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِذَلِكَ فَقَطْ نَفْيًا لِتَوَهُّمِ كَوْنِ الْحِجَامَةِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَلِذَا لَمْ يَكُنْ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَى بِالْحِجَامَةِ بَأْسًا عَلَى مَا سَنَذْكُرُ.

وَقَوْلُ شُعْبَةَ: لَمْ يَسْمَعْ الْحَكَمُ مِنْ مِقْسَمٍ حَدِيثَ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ يَمْنَعُهُ الْمُثْبِتُ.

وَأَمَّا رِوَايَةُ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ وَهِيَ الَّتِي أَخْرَجَهَا ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَضْعَفُ سَنَدًا وَأَظْهَرُ تَأْوِيلًا، إمَّا بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مُحْرِمًا إلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَالْمُسَافِرُ يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ بَعْدَ الشُّرُوعِ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ جَوَابُ ابْنِ خُزَيْمَةَ، أَوْ أَنَّ الْحِجَامَةَ كَانَتْ مَعَ الْغُرُوبِ كَمَا قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: إنَّهُ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ أَمَرَ أَبَا طِيبَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ مَعَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَضَعَ الْمَحَاجِمَ مَعَ إفْطَارِ الصَّائِمِ فَحَجَمَهُ ثُمَّ سَأَلَهُ: كَمْ خَرَاجُكَ؟ قَالَ: صَاعَانِ فَوَضَعَ عَنْهُ صَاعًا» اهـ.

فَلَمْ يَنْهَضْ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ نَاسِخًا لِقُوَّةِ ذَلِكَ. الثَّانِي: التَّأْوِيلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ ذَهَابُ ثَوَابِ الصَّوْمِ بِسَبَبِ أَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ ذَكَرَهُ الْبَزَّارُ، فَإِنَّهُ بَعْدَمَا رَوَى حَدِيثَ ثَوْبَانَ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» أَسْنَدَ إلَى ثَوْبَانَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» لِأَنَّهُمَا كَانَا اغْتَابَا وَرَوَى الْعُقَيْلِيُّ فِي ضُعَفَائِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد بْنُ مُوسَى بَصْرِيٌّ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَطَاءٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ عَلَى رَجُلَيْنِ يَحْجُمُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَاغْتَابَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْآخَرُ فَقَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا لِلْحِجَامَةِ وَلَكِنْ لِلْغِيبَةِ لَكِنْ أُعِلَّ بِالِاضْطِرَابِ، فَإِنَّ فِي بَعْضِهَا إنَّمَا مَنَعَ إبْقَاءً عَلَى أَصْحَابِهِ خَشْيَةَ الضَّعْفِ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ، فَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ وَإِعْمَالُ كُلٍّ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ احْتِجَامِهِ وَتَرْخِيصِهِ وَمَنْعِهِ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ يَبْعُدُ عَدَمُ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ لِمُلَازَمَتِهِمْ إيَّاهُ، وَحِفْظِ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ فِيمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ خَلَّادٍ عَنْ شَقِيقِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّهُ قَالَ: يُقَالُ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ وَأَمَّا أَنَا فَلَوْ احْتَجَمْت مَا بَالَيْت ".

وَمَا أُخْرِجَ أَيْضًا عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بِالْحِجَامَةِ بَأْسًا " وَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا " أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ " وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَجِبُ أَحَدُ الِاعْتِبَارَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ مِنْ النَّسْخِ فِي الْوَاقِعِ أَوْ التَّأْوِيلِ.

(قَوْلُهُ وَالْحَدِيثُ مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ) بِذَهَابِ الثَّوَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>