وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ حَدِيثُ «عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ»
فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا قَالَتْ كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ مُحْرِمٌ» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يُلَبِّي» وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا قَالَتْ «كَانَ ﵊ إذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ يَتَطَيَّبُ بِأَطْيَبَ مَا يَجِدُ، ثُمَّ أَرَى وَبِيصَ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ» وَلِلْآخَرِينَ مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ «أَتَى النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَمَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَقَالَ لَهُ ﵊: أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ» وَعَنْ هَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ حِلَّ الطِّيبِ كَانَ خَاصًّا بِهِ ﵊ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ وَمَنَعَ غَيْرَهُ.
وَدُفِعَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لِلرَّجُلِ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ لِحُرْمَةِ التَّطَيُّبِ، وَيَحْتَمِلُ كَوْنُهُ لِخُصُوصِ ذَلِكَ الطِّيبِ، بِأَنْ كَانَ فِيهِ خَلُوقٌ، فَلَا يُفِيدُ مَنْعُهُ الْخُصُوصِيَّةَ، فَنَظَرْنَا فَإِذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ " وَهُوَ مُصَفِّرٌ لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ " وَقَدْ نَهَى عَنْ التَّزَعْفُرِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ ﵁ «أَنَّهُ ﵊ نَهَى عَنْ التَّزَعْفُرِ» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «نَهَى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ» وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ ﵊ كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ» وَإِنْ كَانَ ابْنُ الْقَطَّانِ صَحَّحَهُ، لِأَنَّ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَقْوَى خُصُوصًا، وَهُوَ مَانِعٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُبِيحِ.
وَحِينَئِذٍ فَالْمَنْعُ مِنْ خُصُوصِ الطِّيبِ الَّذِي بِهِ فِي قَوْلِهِ " أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِك " إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ نَهَى عَنْهُ مُطْلَقًا لَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ عَنْ كُلِّ طِيبٍ، وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا فِي الْحَدِيثِ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ «قَالَ لَهُ: اخْلَعْ عَنْكَ هَذِهِ الْجُبَّةَ وَاغْسِلْ عَنْكَ هَذَا الزَّعْفَرَانَ» وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخُصُوصِيَّةِ مَا فِي أَبِي دَاوُد «عَنْ عَائِشَةَ ﵂ كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالْمِسْكِ الْمُطَيَّبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَرَاهُ النَّبِيُّ ﷺ فَلَا يَنْهَانَا» وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ حَدِيثَ الْأَعْرَابِيِّ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي عَامِ الْجِعْرَانَةِ وَهُوَ سَنَةُ ثَمَانٍ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ ﵂ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ.
وَرُئِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ مُحْرِمًا وَعَلَى رَأْسِهِ مِثْلُ الرُّبِّ مِنْ الْغَالِيَةِ. وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ صُبَيْحٍ: رَأَيْت ابْنَ الزُّبَيْرِ مُحْرِمًا وَفِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عَنْ الطِّيبِ مَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ أَعَدَّ مِنْهُ رَأْسَ مَالٍ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ ﵃. قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ ﵁ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: ارْجِعْ فَاغْسِلْهُ، فَإِنَّ عُمَرَ ﵁ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ ﵂ وَإِلَّا لَرَجَعَ إلَيْهِ، وَإِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute