للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَالتَّلْبِيَةُ فِي الْإِحْرَامِ عَلَى مِثَالِ التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ، فَيُؤْتِي بِهَا عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ (وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ) لِقَوْلِهِ «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» فَالْعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجُّ إسَالَةُ الدَّمِ.

فِي النِّهَايَةِ حَدِيثَ خَيْثَمَةَ، هَذَا وَذَكَرَ مَكَانَ اسْتَقَلَّتْ رَاحِلَتُهُ إذَا اسْتَعْطَفَ الرَّجُلُ رَاحِلَتَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّا عَقَلْنَا مِنْ الْآثَارِ اعْتِبَارَ التَّلْبِيَةِ فِي الْحَجِّ عَلَى مِثَالِ التَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ، فَقُلْنَا: السُّنَّةُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا مَرَّةً وَاحِدَةً شَرْطٌ وَالزِّيَادَةُ سُنَّةٌ، قَالَ فِي الْمُحِيطِ: حَتَّى تَلْزَمَهُ الْإِسَاءَةُ بِتَرْكِهَا.

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ : «مَنْ أَضْحَى يَوْمًا مُحْرِمًا مُلَبِّيًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ غَرَبَتْ بِذُنُوبِهِ فَعَادَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْهُ «مَا مِنْ مُلَبٍّ يُلَبِّي إلَّا لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ» صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَهَذَا دَلِيلُ نَدْبِ الْإِكْثَارِ مِنْهَا غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِتَغَيُّرِ الْحَالِ، فَظَهَرَ أَنَّ التَّلْبِيَةَ فَرْضٌ وَسُنَّةٌ وَمَنْدُوبٌ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّرَهَا كُلَّمَا أَخَذَ فِيهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَأْتِيَ بِهَا عَلَى الْوَلَاءِ وَلَا يَقْطَعَهَا بِكَلَامٍ، وَلَوْ رَدَّ السَّلَامَ فِي خِلَالِهَا جَازَ وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِغَيْرِهِ السَّلَامُ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ التَّلْبِيَةِ، وَإِذَا رَأَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ قَالَ: لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ) وَهُوَ سُنَّةٌ فَإِنْ تَرَكَهُ كَانَ مُسِيئًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يُبَالِغُ فِيهِ فَيُجْهِدُ نَفْسَهُ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ مَا يُفِيدُ بَعْضَ ذَلِكَ.

قَالَ أَبُو حَازِمٍ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ لَا يَبْلُغُونَ الرَّوْحَاءَ حَتَّى تُبَحَّ حُلُوقُهُمْ مِنْ التَّلْبِيَةِ، إلَّا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْكَثْرَةِ مَعَ قِلَّةِ الْمَسَافَةِ، أَوْ هُوَ عَنْ زِيَادَةِ وَجْدِهِمْ، وَشَوْقِهِمْ بِحَيْثُ يُغْلَبُ الْإِنْسَانُ عَنْ الِاقْتِصَادِ فِي نَفْسِهِ. وَكَذَا الْعَجُّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُجَرَّدَ رَفْعِ الصَّوْتِ بَلْ بِشِدَّةٍ.

وَهُوَ مَا أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «قَامَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: مَنْ الْحَاجُّ، قَالَ: الشَّعِثُ التَّفِلُ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْعَجُّ وَالثَّجُّ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَا السَّبِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْجَوْزِيِّ الْمَكِّيِّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ مِنْ قَبْلُ حَفِظَهُ. وَأَخْرَجَا أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ «أَنَّ النَّبِيَّ سُئِلَ: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْعَجُّ وَالثَّجُّ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ. وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَهُوَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ الضَّحَّاكُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ.

وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ» وَالْعَجُّ: الْعَجِيجُ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجُّ: نَحْرُ الدِّمَاءِ. وَفِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ «أَنَّهُ قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي وَمَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ، أَوْ قَالَ: بِالتَّلْبِيَةِ» وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «صَلَّى النَّبِيُّ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي التَّلْبِيَةِ» " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ زِينَةُ الْحَجِّ " وَعَنْهُ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَمَرَرْنَا بِوَادٍ فَقَالَ: أَيُّ وَادٍ هَذَا؟ قَالُوا: وَادِي الْأَزْرَقِ، قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَاضِعًا إصْبَعَهُ فِي أُذُنِهِ لَهُ جُؤَارٌ إلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي، ثُمَّ سِرْنَا الْوَادِيَ حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى ثَنِيَّةٍ فَقَالَ: أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟ قَالُوا: هَرْشَى أَوْ لِفْتٌ، فَقَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>