للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجامع عند باب السّاعات، خوفا على بيته، فقطع خشبتين. فلأجل ذلك لم يحترق مشهد الشّيخ خطّاب ولا بقيّة الرّواق. وأما مشهد النايب فعدم احتراقه لأنّ سقوفه قصيرة، وفاصل بينها الجدران، فلم تحكم النّار عليها.

وكنت حاضرا لغالب هذه الأمور، أنقل البسط أنا ورفاقي إلى صحن الجامع، وأنخي (١) الناس على حملهم من داخل الجامع إلى الصحن، وأمرت بفكّ المنبر لما قربت منه النّار. وحمل المصحف العثمانيّ، والرّبعات والصّريج الذي للوقف. وكنا قد عملنا حصرا/جددا رفاعا لم ير مثلها، ووضعت في شبّاك مشهد النّايب، فجاءت النّار من الشّباك فأحرقتها، ولم يحترق المشهد، ولله الحمد. وذكر أيضا أنه في فتنة تمرلنك لم يحترق.

وكان ملك الأمرا قانصوه اليحياويّ، قبل الحريق بشهرين قد رسم بعمارة الجامع ووقفه، وكان قد جدد الرّخام في الحايط القبلي من أوله، إلى أن وصلت النّصارى الموجهين في هذه اللّيلة، إلى ضريح سيّدي هود (٢) من الحايط القبليّ المذكور. وكان قد جدّد الطّراز القبليّ مذهب من أوله إلى آخره، فلما وقع الحريق ذهب الطراز واحترق الرخام وتساقط، وصار كالملح يذوب، وسقطت فصوصه، وقماريّة وذاب الرصاص الذي كان على الجمالين، وذهبت محاسن الجامع، وعلته الدّخاخين. وكان كلّما سقط منه جملون من النّار يسمع دويّه كالرّعد القاصف. وصار النّاس ينظر بعضهم بعضا في الليل من شدة ضو (٣) النار. وكان عند النّاس عزاء عظيم وبكاء حتى الذمّة صارت تنظره وتبكي. وجاءت النّاس من القرى والبلدان، فشرعوا عند رؤيته يبكوا. فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.

واعلم أنّي اختصرت ما وقع كراهية الإملال والتطويل.

/وفي يوم الجمعة تاسع عشرينه، نصب للخطيب كرسيّ تحت قبة النسر (٤) في صحن الجامع. وخطب عليه وبكا الناس بكاء عظيما وكانت ساعة عظيمة.


(١) أنخي: أستثير وأستنجد.
(٢) ضريح هود: قبر النبي هود. وزعموا أنه في الجدار القبلي للجامع الأموي. انظر تحفة الأنام في فضائل الشام للبصروي ص /٤٨ مخطوط.
(٣) انظر خبر حريق الجامع الأموي وما حوله من أسواق في: النعيمي. الدارس في تاريخ المدارس:/٢ ٣٠٧،٣٠٨.
(٤) قبة النسر: إحدى قباب الجامع الأموي بدمشق. ابن طولون، مفاكهة الخلان ١/ ٢٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>