للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أخذهم العشران والعرب، وسافروا بهم إلى بلادهم، طلبا للفسق بهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله. وأخبروا أنّ العرب كسروا المحمل (١) الشّامي، واقتسموا ثوبه، وثوب الصنجق (٢)، الذي يدخل به إلى الحرم النبوي، على ساكنه أفضل الصّلاة والسلام.

وهذه الأمور من سوء تدبير أمير الحاج، فإنّه أخذ للشّعارة (٣) في العلى (٤) أربعون جملا، بأحمالها الدقيق، وأصرف للعرب بعض صرر، فوجدت غالبها زغلا ونحاسا. قابله الله على فعله، ولا جزاه عن المسلمين خيرا. ثم أرسل العرب إلى التّجار يقولون لهم: كل من عرف له بهارا (٥)، يحضر ليشتريه، ويصالح عليه، وأمّا القماش الكارم (٦)، فإنه تفرّق مع العربان والعشير وعسر جمعه. فتأهّب التجار لذلك، فمنعهم نايب الشام قانصوه اليحياوي، ونادى بالتجريدة على العرب،/والله سبحانه الفعّال لما يريد.

وفي ليلة الأحد حادي عشر صفر المقدم ذكره، دخل ليلا الأمير الدوادار الثاني، ماماي وهو متوعك في محفّة (٧). وكان قاصد السلطان الملك الأشرف قايتباي، لصاحب الروم بايزيد بن محمد بن عثمان، ونزل بالقصر الأبلق (٨)، ومعه خلايق، والناس يثنون عليه بكل ثناء جميل. وذكروا أنه لم يكلفهم لا غفر (٩) ولا غيره، عافاه الله وشفاه، وحصل له إقبال من صاحب الروم، وأهدي له هدايا وتحف وغير ذلك، عامله الله باللطف.

وفي يوم الخميس خامس عشره، سافر الأمير ماماي من دمشق متوجها إلى


(١) المحمل الشامي: الركب الشامي للحج إلى الديار الحجازية المقدسة ويتضمن كسوة الكعبة وصنجق السلطان ويقوده أمير الركب مع عساكر للحماية.
(٢) الصنجق: هو راية أو علم السلطان المملوكي وتكون مع المحمل. ابن طولون. مفاكهة الخلان /١ ٣٥٨.
(٣) الشّعارة: جماعات بدوية تسكن في العلاة على طريق الحج إلى مكة.
(٤) العلى: موضع قريب من مكة المكرمة.
(٥) بهار: التوابل.
(٦) الكارم: نوع من الأقمشة الحريرية الهندية غالية الثمن، يشتربها الحجاج من الديار الحجازية في رحلة العودة إلى بلاد الشام.
(٧) محفّة: مركب من مراكب النساء كالهودج إلا أنها لا تقبّب كما تقبّب الهوادج. مختار الصحاح.
(٨) القصر الأبلق: وموضع هذا القصر في الميدان غربي القلعة. مفاكهة الخلان لابن طولون ١/ ٢٦٢.
(٩) غفر: هي ضريبة مالية تسمى غفارة، كانت تجبى من الناس بمركز النيابة لكبار القادة الذين ينزلون ضيوفا على السلطان.

<<  <  ج: ص:  >  >>