للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي صحيح مسلم عن ابن عباس: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}، قال: «نعم»، {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}، قال: «نعم»، {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}، قال: «نعم ... »، وفي رواية أخرى: «قد فعلت، قد فعلت» (١).

ويظهر أنه ليس المراد بالنسيان والخطأ ما لا يكون من العبد فيه تقصير قطعًا، وليس المراد بـ {مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} ما لا نطيقه ولو بذلنا أقصى جهدنا، كأن يلمس أحدُنا الشمس، أو يحمل جبلًا أو يصلِّي في اليوم ألفَ ألفَ ركعة، فإن هذه الأمور قد نُفِيَتْ بقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} , وإنما المراد ــ والله أعلم ــ: النسيان والخطأ اللَّذين (٢) لا يخلو العبد من تقصيرٍ مَّا فيهما، فإننا نجد أحدنا ينسى الصلاة أو ينام عنها حتى يخرج وقتها، ولو قيل له: إذا حضرْتَ اليوم وقت الصبح بباب الملِك حصل لك مال عظيم وهو محتاج لم يفتْه ذلك الوقت، وكذلك نجد المفتيَ إذا سُئِل عن مسألة فيها إراقة دم بذل فيها من الجهد في البحث والنظر ما لا يبذله إذا سئل عن مسألة في البيوع مثلًا.

والمراد والله أعلم بـ {مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} ما فيه مشقة شديدة، ويشهد


(١) مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان قوله تعالى: «وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه»، ١/ ٨١، ح ١٢٥ - ١٢٦. [المؤلف]. لكن الرواية الأولى من حديث أبي هريرة، والرواية الثانية من حديث ابن عبَّاسٍ، وسقط لفظ (ربنا) في الموضع الأخير على المؤلِّف.
(٢) كذا في الأصل.