فالوجه الثاني منتفٍ فيما يكون المتفائل آخذًا في العمل؛ إذ لا حاجة بالشيطان إلى الترغيب فيه وقد شرع الإنسان فيه دائبًا على فعله، ويبقى الاحتمالان الأول والثالث، فأمَّا النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فكان يترجَّح في حقِّه الأول؛ لأنه لم يكن يُقْدِمُ على العمل حتى يَظْهَرَ له أنه طاعة لله عزَّ وجلَّ، وقد علم من الدِّين أن طاعة الله عزَّ وجلَّ سببٌ للخير، وعلم أن الشيطان لا يرغِّب في الخير. فأمّا مَن لا يريد عملًا فيسمع كلمة حسنة فيرغب فيه فاحتمال الوجه الثاني قائم فيه, والوجه الأول منتفٍ بدليل مَنْعِ الشارع من الاعتداد بذلك، ولعله [٦٧١] يكون في ذلك الفعل ضررٌ لاحتمال أن تكون تلك الكلمة من الشيطان يُرَغِّب الإنسان فيما يضرُّه، اللهمّ إلا أن يكون ذلك الفعل طاعة لله عزَّ وجلَّ، فكان الإنسان متكاسلًا عنه فسمع كلمة فَهِمَ منها إشارة إلى الترغيب في الخير، فهذا معنىً آخر كما تقدم.
وأما الطيرة فإن الكلمة السيئة مثلًا تحتمل أن تكون من تنبيه الله عزَّ وجلَّ تنفيرًا عن ذلك العمل، وتحتمل أن تكون من الشيطان ليصدَّ الإنسان عن ذلك الفعل لعلمه أن له خيرًا فيه، وتحتمل أن تكون اتفاقًا.
ويترجّح الأول إذا كان العمل معصية لله عزَّ وجلَّ ولا يكون الانزجار عن تلك المعصية عند سماع تلك الكلمة من التطيُّر المنهي عنه؛ لأنه لم يستند إليها، وإنما استند إلى ما عنده من السلطان أن ذلك العمل معصية. ويترجح الثاني إذا كان ذلك العمل طاعة لله عزَّ وجلَّ أو مباحًا؛ لأن الاحتمال الأول منتفٍ بدليل منع الشارع من التطير. والاحتمال الثالث مرجوح لما عُلِمَ أن الشيطان مولَع بالإضلال والإضرار، فالانكفاف عن العمل تديُّنٌ بما لم يشرعه الله عزَّ وجلَّ كما مرّ، وهو مع ذلك طاعة للشيطان.