للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٠٢ - ١٠٣].

والمراد بكلمة (مَا) من قوله: {مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ} السحر، كما جاء به التفسير عن السلف، والسياق يبيِّنه، كان الشياطين يعلِّمون الناس السحر ويزعمون أن سليمان عليه السلام كان يعرفه ويعمل به، وأنه كان قِوَام مُلكه. فقوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} معناه: ما سَحَر, كما جاء به التفسير عن السلف، وهو واضح من السياق، فدلَّ هذا أن السحر كفر. وقوله تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} بينه بقوله: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} فدلَّ ذلك أن تعليم السحر كفر. وقوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} ظاهر في أن تعلُّمه كفر. وقوله: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [٦٩٥] ظاهر في كونه كفرًا؛ إذ لا يصدق على أحد أنه لا خلاق له في الآخرة إلَّا إذا كان مخلَّدًا في النار، وإنما يخلَّد الكفار، فأما الملكان فقد تقدَّم العذر عنهما (١).

ولا يمتنع أن يُغَلِّظَ الشرع في السحر فيجعله كفرًا وإن لم يتضمّن شركًا، ولا كذبًا على الله تعالى، ولا تكذيبًا بآياته. أو يقال: قد علم الله تعالى أن السِّحْر لا يخلو عن الشرك بالله أو الكذب عليه أو التكذيب بآياته.

هذا أقصى ما يُوَجَّه به إطلاق مالك رحمه الله تعالى.

وقد يجاب عن الآية باحتمال أن الضرب الذي نسبه الشياطين إلى سليمان عليه السلام من السحر فيه شرك وكذب على الله وتكذيب بآياته،


(١) انظر ص ٣٦٩ - ٣٨١.