للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولله درُّ البُرَيق الهذلي في قوله (١):

أَبِنْ لي ما ترى والمرء تأبى (٢) ... عزيمته ويغلبه هواه

[١٦] فيعمى ما يرى فيه عليه ... ويحسب ما يراه لا يراه

وكما أن الإنسان قد يجتهد في الطاعة في العمل ولكنه لو كُلِّفَ عملًا شديد المشقة لم يُطِع، قال الله عزَّ وجلَّ: {وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} [محمد: ٣٦ - ٣٧]، وقال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء: ٦٦]، وقال تبارك وتعالى لرسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: ١٥٩] = فكذلك قد يجتهد الإنسان في التصديق فإذا كُلِّف التصديق بما يخالف هواه لم يُصَدِّق، فربما أُخْبِر بخبر لا يفهمه فصدَّق على عادته، ولو تبيَّن له معناه وكان مخالفًا لرأيه وهواه لكذَّب أو ارتاب أو توقَّف؛ فقد كان مشركو قريشٍ يعلمون أمانة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم حتى خصُّوه بلقب الأمين، ولما سأل هرقل أبا سفيان عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: هل كنتم تتَّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان: لا (٣). وأبو سفيان يومئذ رأسُ المشركين وأشدُّهم عداوةً لرسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.


(١) انظر: شرح أشعار الهذليِّين ٢/ ٧٥٨.
(٢) في شرح أشعار الهذليِّين: يأتي، ولعله أنسب.
(٣) صحيح البخاريِّ، في أوائله، بابٌ كيف كان بدء الوحي إلخ، ١/ ٨ - ٩، ح ٧. [المؤلف]