وبيان كون الفاتحة مبنيَّةً على توحيد العبادة: أن صدر السورة تمهيدٌ لقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
فقوله تعالى:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة: ١] معناه كما حقَّقه المفسِّرون وغيرهم: لا نبتدئ بشيءٍ مستعينين به أو متبرِّكين إلا باسم الله الرحمن الرحيم، وتَضَمُّنُ هذا للتوحيد ظاهر.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ} معناه على ما حقَّقه المفسرون وغيرهم: كلُّ حمدٍ فهو مستحَقٌّ لله وحده، أي ليس معه تعالى أحدٌ يستحقُّ شيئًا من الحمد، وإيضاحه: أنَّ الكمالات التي يُسْتَحَقُّ عليها الحمد كلُّها لله عزَّ وجلَّ؛ فإنَّ ما يُنْسَب إلى غيره من الكمالات فهو أثرٌ من آثار خلقه تعالى وفضله {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}[النحل: ٥٣].
رُوِي عن جعفر بن محمَّد بن عليِّ بن الحسين بن عليٍّ عليهم السلام قال: فَقَدَ أبي بغلة له فقال: لئن ردَّها الله عزَّ وجلَّ لأحمدنَّه بمحامد يرضاها، فما لبث أن أُتِيَ بها بسرجها ولجامها، فركبها، فلما استوى عليها وضَمَّ عليه ثيابه، رفع رأسه إلى السماء وقال: الحمد لله، لم يزد عليها، فقيل له في ذلك، فقال: وهل تركتُ أو أبقيتُ شيئًا؟ جعلتُ الحمد كلَّه لله عزَّ وجلَّ (١).
وإذا كان لا يستحق شيئًا من الحمد إلا الله عزَّ وجلَّ، فقد بان من ذلك أنه لا يَستحق غيرُه تعالى شيئًا من العبادة.
(١) صفة الصفوة ٢/ ٦٢. [المؤلف]. وقد رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر ص ٥٤، ح ١٠٦. ومن طريقه أبو نعيم في حلية الأولياء ٣/ ١٨٦، وفي إسناده محمد بن مسعر، لم نجد فيه جرحًا ولا تعديلًا.