للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنما يهوِّنُ عنهم الشر تمييزُهم بين علماء الحق وغيرهم، فيقتدون بعلماء الحق ويهجرون غيرهم، ويَسُدُّون آذانهم عن سماع الشُّبَه وقَبُولِ البدع، وقد كان هذا في القرون الأولى. وأما بعد ذلك فاختلط الأمر بل انعكس، فَمَنْ رزقه الله تعالى من العامَّة معرفةَ عالمٍ من علماء الحق فاقتصر عليه وهجر سماسرة الشُّبَه وأنصارَ البدع فقد فاز.

وأما الدرجة الثانية فلا صعوبة فيها على مَنْ سَلِمَت له الأولى.

وأما الثالثة فكالأولى، فإن العامِّيَّ بعد شيوع الكلام فيها لا يكاد يستطيع الاستمرار على ما يقتضيه خُلُوُّ الذهن إلا أن يقيَّض (١) له عالِمٌ من علماء الحق فيلزمه ويدع مَنْ سواه.

وأما الرابعة فإن ما حدث من غلو الناس في مذاهبهم والتعصب على مخالفها حال بينهم وبين الأخذ بالأحوط والوقوف عند الحدِّ. وعلى كل حال فالأمر على العامي أسهل؛ لأن إعداد العُدَّة للعلم إنما يحصل بطلب العلوم من أهلها الراسخين فيها، ولا تجد علمًا من العلوم إلا قد شاركت فيها البدع والأهواء، ولا تكاد تجد عالمًا راسخًا في هذه الأزمنة فإن وجد فخاملٌ غير معروفٍ، فإن عُرِف فمرميٌّ بالضلال عند الجمهور.

وطالب العلم لا بُدَّ أن يقلد شيخه والكتاب الذي يقرؤه؛ لأنه لا يكاد يستطيع أن يبقى على ما يقتضيه خُلُوُّ الذهن حتى تقهره الحجة، فإنها تَعْتَوِرُه


(١) في الأصل بالظاء المشالة.