على أن يرسل معه بني إسرائيل، فلو أن فرعون أرسل معه بني إسرائيل لذهب معهم ولم يتشاغل بتبليغ فرعون وملئه؛ لأنه في الأصل لم يرسل إليهم. ومع هذا فقد لزمهم الإيمان به وقامت عليهم الحجة وبلّغهم هو من أصل الدين ما دعت إليه الحاجة. ولو أرسلوا معه بني إسرائيل لكان عليهم بعد ذلك أن يأتوه حيث كان ويؤمنوا به ويتعلَّموا منه، وقد قَبِلَ الله تعالى إيمان مَنْ آمن منهم، كمؤمن آل فرعون وامرأة فرعون والسحرة؛ وعَذَّب الباقين.
وكذلك قاتَل موسى وخلفاؤه الأقوامَ الذين كانوا مستولين على الأرض المكتوبة لبني إسرائيل، ولا نشكُّ أنهم دعوهم إلى الإيمان ولزمتهم الحجة وإن لم يكونوا من قوم موسى الذين أرسل إليهم.
وكذلك نجد موسى أنكر على الخضر ما فعله مما ظاهره المنكر ولم يمنعه من ذلك أنه ليس من قومه الذين أرسل إليهم. وهكذا نجد سليمان عليه السلام لَمَّا تيسَّر له أن يدعو سبأ دعاهم وتَوَعَّدَهم بأن يغزوهم، فجاؤوه وأسلموا معه. وكذلك نجد الإسلام وجد جماعة من العرب قد تهوَّدُوا وآخرين منهم ومن الروم والحبش وغيرهم قد تنصَّروا فعاملهم معاملة أهل الكتاب ولم يقل لهم: إن موسى وعيسى لم يُرْسَلا إليكم.
وهذا يوسف عليه السلام تدلُّ قصته أنه لم يكن رسولًا إلى أهل مصر، فإنه لما قابل الملِك لم يَدْعُهُ، بل سأله أن يولِّيه الخزائن فتولَّاها منه، ثم كان إذا جرى بينه وبين آخر نزاعٌ يكون الحكم على دين الملك، كما يدلُّ عليه قوله تعالى:{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[يوسف: ٧٦].