للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السلام وفي أخرى: "أول مَن غيَّر عهد إبراهيم ... ونصب الأوثان" (١).

وقد وردت آثار في سبب نصبه للأوثان وسبب إشراكه في التلبية سنذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى.

الوجه الثاني: أنهم يطلقون العذر، فشمل العذر في الشرك والعذر في المعاصي، وذلك يقتضي أحد أمرين: إما أنهم يرون أن الشريعة إذا اندرس بعضها سقط التكليف بباقيها، وإما أن يزعموا أن شريعة إبراهيم عليه السلام كانت قد اندرست بجميع فروعها. ولا أرى عاقلا يُقْدِمُ على الأول، ولا عارفًا يقدم على الثاني.

فأما قوله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص: ٤٧]، وقوله سبحانه: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه: ١٣٤]، فالمعنى أنه لو لم يرسل إليهم رسول لقالوا ذلك على جهة الاعتذار، فقطع الله عذرهم، ولا يفهم من ذلك أنه لو لم يرسل الرسول فقالوا ذلك لقُبِل منهم وعُدَّ عذرًا لهم.

وقد دل قوله تعالى: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أنهم مؤاخذون بأعمالهم، على فرض عدم الإرسال وإظهار الاعتذار، فكذلك يقال فيمن هلك قبل البعثة.


(١) راجع المستدرك، كتاب الأهوال، ذكر أوَّل مَن حمل العرب على عبادة الأصنام، ٤/ ٦٠٥. والإصابة، ترجمة أكثم بن الجون، [١/ ٢١٤ - ٢١٥]. وفتح الباري، باب قصَّة خزاعة، ٦/ ٣٥٤. [المؤلف]