للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن أخبار معاصريه ومن كان قبله.

هذا ولو كانوا يزعمون أنهم إنما يستندون في اتخاذ الأوثان وتعظيمها إلى شريعة إبراهيم أو شريعة نبيٍّ آخر لما سمَّوها آلهة ولا سمَّوا تعظيمها عبادة لها. والحجة على هذا الامتناع ستأتي فيما بعد (١)؛ لأنها نتيجةٌ لمقدِّماتٍ وتمهيداتٍ كثيرةٍ لم نستوفها بعد. ونكتفي هنا بما إذا تدبرته حق تدبره أرشدك إليها، وهو أن القوم كانوا يحترمون الكعبة أبلغ من احترام الأصنام كما تقدم، ومع ذلك لم يسموها إلهًا ولا قالوا في احترامها أنه عبادة لها، ولا قال أحد ممن كان يشغب منهم على النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: "كيف يعيب محمَّد علينا عبادتنا للأوثان وهو وأصحابه يعبدون الكعبة والحجر الأسود معنا"، بل كانوا يقولون: الكعبة بيت الله، واحترامها عبادة لله، وإنما ذلك لعلمهم بأن بناءها واحترامها مما أمر الله تعالى به على لسان رسوله إبراهيم عليه السلام.

وهكذا يُقال في عبادتهم الملائكة، فإنهم كانوا يطلقون أن الملائكة آلهة وأنهم يعبدونهم كما يأتي.

ومن هذا الضرب الثالث: وقوف قريش بالمزدلفة. قال جبير بن مطعم: "كانت قريش إنما تدفع من المزدلفة ويقولون: نحن الحُمس فلا نخرج من الحرم" (٢).

وقريشٌ لم يكن لها في عهد إبراهيم وجودٌ مستقلٌّ، وإنما هي من ذُرِّيَّته


(١) انظر: ص ٨٣١ - ٨٣٢.
(٢) انظر: فتح الباري، كتاب الحج، باب الوقوف بعرفة، ٣/ ٣٣٤. [المؤلف]