أما الطبقة الأولى: فأهلها ثلاثة، رجل غافل البتَّة، ورجل متحيِّر قد تنبَّه بفطرته وعقله ونظره في آيات الآفاق والأنفس فاعترضه بعض الشبهات فبقي حائرًا، ورجل مستيقن قد بلغ بنظره إلى استيقان أن للعالم ربًّا هو الخالق المدبر القادر العليم الحكيم.
وأما الطبقة الثانية: فإنَّ الرجل أوَّل ما يبلغه خبر دعوة يكون إمّا متردِّدًا، وإما مستيقنًا؛ لأنَّ الغافل يتنبَّه فيتردَّد أو يستيقن، والمتردِّد يدرك أنَّه إذا كان للعالم ربٌّ وأرسل رسولًا وجبت طاعته، والمستيقن يدرك أنَّ الربَّ إذا أرسل رسولًا وجبت طاعته، فكلاهما تلزمه في الجملة الحجَّة ببلوغ الخبر.
وأما التفصيل فلا يخفى أنه بمجرد بلوغ الخبر لا تقوم الحجة في جميع العقائد والأحكام، والآيات التي قدمناها في عذر من لم تبلغه الدعوة تبيِّن هذا، فإذًا لا بدَّ من تحديد أمر يكون هو اللازم لمن بلغه الخبر إنْ تهاون به استحقَّ العقاب وإنْ أدَّاه بقي معذورًا فيما عداه حتى يتجدَّد ما يُلْزِمُه به.
[ز ٢٦] وهذا يختلف باختلاف الأحوال، فقد يكون المخبر معروفًا بالكذب، وقد يكون مجهولًا، وقد يكون معروفًا بالصدق، وقد يتواتر الخبر، وقد يكون هناك ما يوقع في النفس أنَّ المدعيَ كاذب، وقد لا يكون ما يدلُّ على كذبه ولا صدقه، وقد يكون ما يدلُّ على صدقه؛ وقد يكون بلده بعيدًا عمن بلغه الخبر، وقد يتوسط، وقد يقرب، وقد لا يمكن من بلغه الخبر أن