للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يظهر من جواب موسى عليه السلام أنه وإن أنكر عليهم وجَهَّلَهُمْ لم يجعل طلبهم ارتدادًا عن الدين. ويشهد لذلك أنهم لم يؤاخذوا هنا بنحو ما أوخذوا به عند اتخاذهم العجل، فكأنهم هنا ــ والله أعلم ــ عُذِرُوا بقرب عهدهم. وقد مرَّ جماعة من المسلمين مع النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على شجرةٍ يعكف عليها المشركون، فسألوا النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أن يجعل لهم مثلها، فقال: "قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} (١)، ولم يعدَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كلمتهم ردَّةً، فكأنه عذرهم لقرب العهد.

وسيأتي في ذكر الأمور التي ورد في الشرع أنها شرك عدة أحاديث وآثار فيها أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم مع حكمه على تلك الأمور أنها شرك لم يحكم على من فعلها من المسلمين قبل البيان أنه أشرك وارتدَّ. وكذلك تأتي آثارٌ عن أصحابه أنهم كانوا يرون الشيء من ذلك فيغيِّرونه وينكرونه ويُبَيِّنون أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أخبر أنه شركٌ ولا يحكمون على مَنْ فعله من المسلمين قبل أن يبيِّنوا له بأنه أشرك وارتدَّ.

وتقدَّم في أواخر الباب الذي قبل هذا "اتَّقوا هذا الشرك؛ فإنه أخفى من دبيب النمل" (٢)، وسيأتي الكلام عليه مبسوطًا، وفي روايةٍ للإمام أحمد وغيره: "فقال له مَن شاء الله أن يقول: وكيف نتَّقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئًا


(١) المسند للإمام أحمد ٥/ ٢١٨ [وفي الأصل ١١٨]، وسيأتي تصحيحه وشواهده [ص ٢٣٠]. [المؤلف]
(٢) انظر ص ٥٤ - ٥٥.