وفيه أن تلك الكلمة ضامنةٌ لأن يفلح كلَّ الفلاح لولا أنه قالها وهو لا يملك أمره، والفلاح كلُّ الفلاح هو النجاة في الآخرة، فثبت أن تلك الكلمة إسلامٌ لو قالها وهو يملك أمره.
فإن قيل: يمكن أن يكون النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم إنما كان يكتفي بنحو "أسلمتُ لله" بعد أن اشتهر أمر الإسلام وأنه يدعو إلى الشهادتين، وكان العرب يعرفون معناهما، فقام قولُ أحدهم:"أسلمتُ لله" ــ مع معرفته لما ذُكِر ــ مقامَ إتيانه بالشهادتين عارفًا بمعناهما.
قلت: يكفي في ردِّ هذا قصة بني جذيمة، فإنها كانت في أواخر السنة الثامنة للهجرة، ومع ذلك لم يحسنوا أن يقولوا:"أسلمنا"، فكيف يُظَنُّ بهم معرفة ما هو أخفى من ذلك؟ على أنه قد سلف أن العرب مع معرفتهم أصل معنى الإله كانت تشتبه عليهم أشياء، فلم يكونوا يعلمون أن من طاعة الرؤساء وقبول وسوسة الشيطان واتِّباع الهوى ما هو تأليهٌ لهذه الأشياء، وكذلك ما يقع في الرقى والتِّوَلة والقسم بغير الله عزَّ وجلَّ مما كان يشتبه على الصحابة حتى بَيَّنَهُ لهم النبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وعلى بعض التابعين حتى بَيَّنَهُ لهم الصحابة، ومن ذلك قصَّة ذات أنواطٍ وغيرها.
فالذي يقتضيه ما مرَّ أنه يكفي لدخول الكافر في الإسلام أن يتقبَّله مع معرفة أنه دينٌ مشتملٌ على عقائد وأحكامٍ وأنه ملتزمٌ لها سواءٌ أوافقت ما كان عليه أم خالفته، فإنه بذلك يَنْسَلِخُ عن كفره ويُسَلِّم نفسه للإسلام ويلتزمه جملةً؛ والله الموفق.