للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المناكحة والتوريث والدية والكفارة وما يصنع بالميت وغير ذلك؟

وفي المواقف عَقِبَ ما مرَّ: "واعلم أن الكتاب والسنّة والإجماع يُبْطِلُ ذلك، إذ يعلم قطعًا أن كفار عهد الرسول الذين قتلوا وحكم بخلودهم في النار لم يكونوا عن آخرهم معاندين، بل منهم من يعتقد الكفر بعد بذل المجهود، ومنهم من بقي على الشكِّ بعد إفراغ الوسع لكن ختم الله على قلوبهم ولم يشرح صدورهم للإسلام، ولم يُنْقَلْ عن أحدٍ قبلَ المخالفين هذا الفرقُ" (١).

قال عبد الرحمن: إن كان مراده بدلالة الكتاب والسنة والإجماع ما فيها من أن الكفار مُخَلَّدُون في العذاب فقد بيَّنتها الحجج الدالَّة على أن الله تعالى لا يعذب حتى يقيم الحجة، ولا يكلف نفسًا إلا وسعها، وغير ذلك مما سلف، [ز ٤٣] فإما أن يكون المراد بالكفر في أدلَّة التعذيب كفرًا خاصًّا هو الكفر الحقيقيُّ فلا يدخل فيها الكفر الحكميُّ، كالكفر المحكوم به على صبيان الكفار ومجانينهم وسائر المعذورين، وإما أن تكون (٢) من العامِّ المراد به الخصوص أو العامِّ المخصوص، وأدلَّةُ العذر صريحةٌ محكمةٌ فلا بدَّ من حمل ما يوهم خلافها على ما يوافقها.

وإن كان مراده أن الكتاب والسنة والإجماع تدلُّ على أن مَنْ قُتِلَ في عهد النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من الكفار مُخَلَّدُون جميعهم في النار، فالجواب أن ما كان فيها من دلالة خاصة كما ورد في أبي جهل وأصحاب القليب قليب بدر، فمحمولٌ على أنهم كانوا معاندين أو مقصِّرين، والآثار تدلُّ على ذلك. وما كان فيها من دلالة عامَّة فقد يُقال: تُبَيِّنُها حُجَجُ العذر


(١) المواقف ٨/ ٣٠٨.
(٢) أي: أدلة التعذيب.