للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للواقع بأن يكون الله تعالى لم يُحِلَّ ويكون المخبر لا يعتقد أن الله أحلَّ. فأما إذا كان الله تعالى لم يُحِلَّ ولكنَّ المخبر يعتقد أنه أَحَلَّ فليس بمفترٍ، ومن أهل العلم مَن يقول: وليس هو بكاذب أيضًا. فإنْ بَنَيْنَا على قول الجمهور ــ أنه يَصْدُق على مثل ذلك أنه كذبٌ ــ فإننا نقول: الحكم في الآية منصبٌّ على الافتراء لا على مطلق الكذب، وكذلك في نظائرها من الآيات.

فأما قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} [الزمر: ٣٢]، فهذه الآية وإن لم تقيَّدْ بالافتراء لكنها عطفت التكذيب بالواو، فأفهمت أن الحكم منصبٌّ على مَنْ جَمَعَ بين الكذب والتكذيب بخلاف بقيّة الآيات، فإنها لَمَّا قيدت بالافتراء عطفت التكذيب بأو، فأفهمت أن الحكم منصبٌّ على كلٍّ من الرجلين أعني مَن انفرد بافتراء الكذب على الله، ومَن انفرد بالتكذيب بالحق لما جاءه أو بآيات الله. وبعض الآيات تقتصر على أحد الأمرين، كقوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الكهف: ١٥]، وقوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا} [الأنعام: ١٥٧]، وقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [الجُرُز: ٢٢].

وأمَّا قوله عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨)} [هود: ١٨]، فواضحٌ أن المعنيَّ بقولهم: {كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ} أُريدَ به: افترَوْا عليه الكذب، كما تصرِّح به أوَّلُ الآية.