للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي صحيح مسلمٍ من حديث أبي سعيد الخدريِّ، سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: "مَن رأى منكم منكرًا فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه (١)، وذلك أضعف الإيمان" (٢).

المراد بعدم الاستطاعة في الحديث أن يخاف على نفسه ضررًا، ولذلك عُدَّ الاقتصار على الإنكار بالقلب أضعف الإيمان، فإنَّ قويَّ الإيمان لا يَصُدُّه خوفُ الضرر عن أن ينهى عن المنكر. فأما العاجز البتَّة كمن كان مقعدًا أخرس ورأى منكرًا بعيدًا عنه فأنكره بقلبه فلا يتعيّن أن يكون هذا من أضعف الإيمان، بل إذا صمّم بقلبه على أنه لو كان يمكنه المشي لمشى إلى ذلك المنكر حتى يغيِّره بيده كان ذلك من أقوى الإيمان. والله أعلم.

وقد يُعْتَرَضُ ما تقدَّم بوجهين:

الأول: أن حَمْل الوُسْع والطاقة والاستطاعة على ما فيه مشقَّةٌ شديدةٌ يقضي على تلك النصوص بالإجمال، وذلك أن المشقَّة الشديدة لا تنضبط كما اعترفوا به في تقرير عِلَّة قَصْرِ الصَّلاة، قالوا: إنَّ أصل الباعث على ذلك المشقَّة لكن لعدم انضباطها ضبطها [ز ٥١] الشارع بالسفر (٣)، ولا يمكن


(١) في الأصل: "فإن لم يستطع فبقلبه، فإن لم يستطع فبلسانه".
(٢) صحيح مسلمٍ، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان ... [وفي الأصل: باب تغيير المنكر إلخ]، ١/ ٥٠، ح ٤٩. [المؤلف]
(٣) انظر: شرح المحلِّي على جمع الجوامع مع حاشية العطار ٢/ ٢٧٩.