للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالمشهور عن العنبريِّ أنه كان يرى أنَّ كلَّ مجتهدٍ مصيبٌ سواء في العقائد أو في الفروع.

فقيل: إنه إنما كان يقول هذا في المجتهدين من المسلمين ــ أعني في الضرب الثاني من العقائد ــ فيصوِّب مَن يثبت القدر ومَن ينفيه، ومَن يثبت الرؤية ومَن ينفيها، ونحو ذلك، ويقول: «هؤلاء عظَّموا الله، وهؤلاء نزَّهوا الله»، يريد أن المخطئ منهم مصيبٌ، على نحو ما يقوله غيره في المجتهدين في الفروع، وبهذا لا يكون الخلاف فيها اختلافًا في الدين ولا افتراقًا بين المسلمين.

وقيل: بل كان يقول بهذا في غير المسلمين أيضًا؛ فيرى أنَّ الكافر إذا بذل مجهوده في البحث والنظر يريد الحقَّ ويحرص عليه فأدَّاه نظره إلى أنَّ الإسلام ليس بحقٍّ فهو معذورٌ، وحُكِي عنه الرجوع عن ذلك. انظر: الاعتصام (١) [ب ٣٣] وانظر ترجمة عُبيد الله في تهذيب التهذيب (٢) وغيره.

وقد حكوا القول بعذر الكافر إذا بذل مجهوده كما تقدَّم عن الـ (٣) أيضًا. قال بعض العلماء: ومال إليه الغزاليُّ في فيصل التفرقة (٤).

أقول: وهذه مسألةٌ أخرى، والحقُّ فيها أنه لا يوجد إنسانٌ يبذل مجهوده في البحث والنظر مريدًا للحقِّ حريصًا عليه مخلصًا في قصده ثم يظهر له أنَّ


(١) ١/ ١٨٩ - ١٩٠. [المؤلف]. وانظر ط دار ابن الجوزي ١/ ٢٥٧.
(٢) ٧/ ٨. وفيه «ونقل محمد بن إسماعيل الأزدي في ثقاته أنه رجع عن المسألة التي ذُكرت عنه لما تبيّن له الصواب».
(٣) بيَّض له المؤلِّف، ولعله الجاحظ كما مرَّ في ص ١٧١ مقرونًا بالعنبري.
(٤) ص ٨٧.