ذلك إلى حدٍّ لا يبلغ القوى الغريبة. بل جاءت أحاديث كثيرة في النهي عن الغلوِّ في العبادات؛ فثبت النهي عن مواصلة الصوم، وعن صوم الدهر، وعن قيام جميع الليل أبدًا، وأخرى في النهي عن الغلو، وعن التشديد على النفس ومجاوزة ما كان عليه أصحاب النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على عهده. فكان الصحابة رضي الله عنهم وعامَّة التابعين واقفين عند الحدود الشرعية في ذلك، ولكنه بعد ذلك نشأ أفرادٌ لهم رغبة في الخير وفي عبادة الله عزَّ وجلَّ, يتأوّلون ما ثبت عن الشارع من النهي عن الزيادة في العبادات بأن ذلك كان شفقة منه على الناس لئلا يشق عليهم, أو خشية أن يكون الإمعان في العبادة داعيًا إلى السآمة والملل، أو لئلا تضعف أجسامهم عن الجهاد والعمل في إعزاز الإسلام، ونحو ذلك من التأويلات.
وربما بالغ بعضهم [٧٢] في العبادات ونحوها مما ورد في الشرع استحبابُ طرفٍ منه، حتى يبلغ بهم الحالُ إلى مشابهة أهل الرياضات, كما كانوا يبالغون في تجويع أنفسهم؛ لأنهم لا يجدون طعامًا حلالًا صِرْفًا لا شبهة فيه، وفي مناقب الزهاد أشياء من ذلك. وفي القرن الثاني والثالث بدأ هؤلاء المبالغون يذكرون أن للجوع فائدة في تصفية النفس.
ثم اطَّلع المسلمون على فلسفة اليونان ووجدوها على طريقين: إعمال العقل، ورياضة النفس؛ فنقلوا ذلك وعملوا به.
وقد عورضوا في الأولى معارضة شديدة يعلمها من له إلمام بتاريخ الإسلام.
وأما الثاني فلم يَلْقَ كبيرَ معارضة؛ لأن أصحابه ألحقوا كلَّ طَرَفٍ منه بما يشابهه في الإسلام، وقد قدَّمنا أن الإسلام تضمَّن طرفًا من الرياضة، وأن