ويراعون فيه بعض أصول الفن، ويغفلون عما يعارضها من الأصول الأخرى، وفوق ذلك أن السلف كانوا أبعد عن الهوى.
ومن هنا قال ابن الصلاح: إن باب التصحيح والتحسين قد انسدَّ، ولم يبق فيهما إلا النقل عن السلف. وهذا القول خطأ، ولكنه يعين على ما نريده، وهو وجوب الاحتياط فيما يصحِّحه المتأخرون أو يحسِّنونه.
وهكذا جماعة من المتقدمين لا يُغْترُّ بتصحيحهم, كالحاكم وابن حبان، بل والترمذي، ولا سيَّما تحسينه.
وهؤلاء أئمة كبار، ولكن الحاكم كان هَمُّه في كثرة الجمع ليردَّ على مَنْ قال من المبتدعة: إنه لم يصح عند أهل الحديث إلا ما في صحيحي البخاري ومسلم، كما ذكر هذا في مقدمة مستدركه، فجمع ولم يحقِّق ولم ينتقد. وكان عَزْمُه أن ينظر في الكتاب مرة [٨٨] أخرى ليُخرج منه ما ليس من شرطه، ولكنه لم يتمكن من ذلك، كما ذكره السخاوي في فتح المغيث (١).
وقد انتقد أحاديثه الذهبي وابن دقيق العيد، وطبع كتاب الذهبي مع المستدرك، ولكني وجدته يتسامح أيضًا، فكثيرًا ما يكون في الحديث رجلٌ مدلِّس ولم يصرِّح بالسماع، أو رجل اختلط بأخرة، وربما أخرج له الشيخان أو أحدهما مما سُمِع منه قبل الاختلاط، أو رجل ضعيف قد انتقد الأئمة مسلمًا أو البخاري في الرواية له في الصحيح، أو رجل عن رجل كان يُضَعَّف في روايته عنه، وإنما يروي له الشيخان مما رواه عن غيره، أو رجل كان يُضَعَّف في حفظه وإنما أخرج له الشيخان أو أحدهما مما حدَّث به من
(١) ص ١٣. [المؤلف]. وفي الطبعة الهنديَّة بتحقيق علي حسين علي ١/ ٤٠ - ٤١.