للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[١٣٦] ويكفي في هذا المعنى قوله تعالى: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: ٢٧]؛ فإن (يسبقون) فعلٌ في سياق النفي فيعمُّ، وفاعله ضمير جمع فيعمُّ، و (القول) اسم جنس معرَّف فيعمُّ، وتقديم (بأمره) على (يعملون) يقتضي الحصر، والحصر يستلزم العموم، وتقدير الحصر هكذا: (لا يعملون إلا بأمره)، فيكون (يعملون) عامًّا لما مرّ في (يسبقون). وفيه دليل آخر على العموم وهو حذف المعمول.

فتلخيص المعنى هكذا: لا ينبسُ أحدٌ منهم بكلمةٍ إلا بَعْدَ أن يأذن له الله تعالى، ولا يكون مِنْ أحدٍ منهم شيءٌ من العمل إلا بأمر الله تعالى.

وربما يخطر للقارئ احتمال أن يكون هذا من نمط القَدَرِ. وهو غلط. أما في قوله: {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} فظاهرٌ؛ إذ الأمر غير القَدَر، ولا قائل بأنه لا يكون من الناس عملٌ إلا بأمر الله تعالى كما يقال بقدر الله تعالى، وأما الإذن فإنما أردنا منه الإذن الخاص (١) وهو الذي في نحو قوله تعالى: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: ٥٩].

وإنما قدَّرناه اقتداء بقول الله تعالى في آية الكرسي: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٥٥]، والشفاعة قولٌ، والمغزى من القول في قوله:


(١) سيأتي بيان الفرق بين الإذن الخاص والإذن العام إن شاء الله تعالى. [المؤلف]. انظر ص ٨١٨ - ٨٢٣.