للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على الملكين ببابل، وإنما هما فتنة يفتنان مَنْ طلب تعلُّم السحر ليتبيّن تصميمه على الكفر أو عدمه, فيعظانه ويحذِّرانه، فإن أصرَّ امتحناه بأن يبول فيعرض له ذلك الخوف والرعب، فإن صمَّم وبال تبيَّن أنه قد صمَّم على الكفر فَيُنْزَعُ منه التوفيقُ، ويُخَلَّى بين الشياطين وبينه، فيحصل له السحر من صحبة الشياطين، فليس في فعل الملكين رضًا بكفر ولا تعليمُ سحر؛ وذلك أن البول في التنُّور ليس كفرًا في نفسه، بل الطالب إذا أصرَّ على التعلُّم بعد أَن يقولا له: [١٥٥] {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} فقد صار كافرًا، وإنما البول في التنُّور دليل على تصميمه على الكفر وإصراره عليه وشدة حرصه على التعلُّم الذي هو كفر بجرأته على البول مع ما يعرض له من الرعب، ولكن لما كان البول في التنُّور يقع بإشارتهما وعِلْمُ السحر يَحْصُلُ عقِبه، وكان ذلك في صورة التعليم أطلق في الآية {يُعَلِّمَانِ} {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا}، وذلك على سبيل المجاز، والله أعلم، والقرينة الصارفة عن الحقيقة أمور:

الأوَّل: أنه قد بيَّن في الآية أن تعليم السحر كفر وأن تعلُّمه كفر، وأنهما ملكان، وقد قامت الدلائل على عصمة الملائكة.

أما بيان أن تعليم السحر كفر، فقوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}. وأما بيان أن تعلُّمَه كفر ففي قوله: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}، وقوله: {لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}، واشتراؤه تعلُّمه, ونفي النصيب في الآخرة البتة إنما يكون على الكفر، وقوله: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ}، أي: باعوا، وبيع النفس عبارة عن إيقاعها في الهلاك التامّ، وذلك إنما يكون بالكفر.