للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقدَّم في فصل التأليه، وكذا ما في قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: ١٨].

[س ٥٧/أ] فإن لفظ {هَؤُلَاءِ} إشارةٌ للقريب, وهذا يأبى أن يكون المراد الملائكة أو الأشخاص الخيالية أو الشياطين، وأيضًا فقوله: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} يأبى أن يكون المراد الشياطين؛ لما قدمنا أن المشركين لم يكونوا يقصدون عبادة الشياطين، وأيضًا لم يكونوا يعتقدون في الشياطين الخير ولا القرب من الله عزَّ وجلَّ.

ولكن ربما يجاب عن الأول بأن الملائكة أو الأشخاص الخيالية قريب بالنظر إلى الذكر؛ لتقدُّم قوله: {وَيَعْبُدُونَ} فكأنهم كانوا عند عبادة الملائكة أو الأشخاص الخيالية يذكرون بعض أسمائهم أو صفاتهم ثم يقولون {هَؤُلَاءِ} يعنون المذكورين.

ويؤيده ما يأتي تقريره في تفصيل شرك العرب أنهم لم يكونوا يزعمون للأصنام نفعًا ولا ضرًّا، وإنما يعبدونها على أنها تماثيل أو رموز لأشخاص عُلويِّين يرجون شفاعتهم (١)، وأما نفي الضر والنفع فالمراد ــ والله أعلم ــ نفي ملكه، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ... مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ


(١) انظر ص ٥٩٠ - ٥٩١، ٦٢٧ فما بعدها.