للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حرف نداء. ونُقل عن مجاهد في قوله تعالى: {كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} أنهما بمعنىً واحد (١).

قال المفسرون (٢): وسوَّغ العطف تغايُر اللفظين، يعنون ــ والله أعلم ــ مع إرادة الدلالة على التكرار, أي أن المنعوق به لا يسمع إلَّا الدُّعاء المتكرِّر، وذلك إيضاح لعدم الفهم؛ إذ الذي من شأنه أن يفهم قد لا يفهم مقصود النداء إذا لم يتكرَّر لغفلةٍ كان فيها أو نحو ذلك، فأما إذا تكرَّر فإنه يفهم المنعوق به ما لم يكن مجرَّدَه أي الفهم (٣).

وقريب من هذا ما جاء في الحديث (٤) أن رجلًا (٥) سأل النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من يَبَرُّ؟ ، فقال: أمَّك، ثم أمَّك، ثم أمَّك، ثم أباك. أراد: كرِّر برَّ أمِّك ثلاثًا، ثم برَّ أباك واحدةً. يعني ــ والله أعلم ــ بالغ في برِّ أمِّك أعظم من برِّأبيك وقدِّمها عليه في ذلك.

ولهذا لما جعلوا قول الشاعر (٦):


(١) لعله يعني ما ورد عنه أنه قال: "كمثل البهيمة تسمع النعيق ولا تعقل". أخرجه ابن جرير ٣/ ٤٥.
(٢) انظر: حاشية الجمل على تفسير الجلالين، المسماة: الفتوحات الإلهية، ١/ ١٣٨.
(٣) أي جُرِّد عنه الفهم.
(٤) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، بابٌ في برِّ الوالدين، ٤/ ٣٣٦، ح ٥١٣٩. والترمذيّ في كتاب البرِّ والصلة، باب ما جاء في برِّ الوالدين، ٤/ ٣٠٩، ح ١٨٩٧. من حديث بهز بن حكيمٍ عن أبيه عن جدِّه. وقال الترمذيّ: "حديثٌ حسنٌ".
(٥) في الأصل: رجل.
(٦) هو عدي بن زيد العبادي، انظر ديوانه ص ١٨٣ نشرة محمد جبار المعيبد, وصدر البيت: وقدَّمت الأديم لراهشيه.