ثم إنَّ ما ذكره ابن عباس رضي الله عنه وتلامذته وتلامذتهم حاصله بعد الجمع بين الروايات أنه كان في الطائف رجل كان سادنًا لأصنامهم يلتُّ السويق للحاجِّ على صخرة معروفة، ويظهر أنها كانت بمحلِّ أصنامهم، فلما مات قال عمرو بن لُحَيٍّ: إنه لم يمت ولكنه دخل الصخرة، فالصخرة هي التي كان يلتُّ عليها السَّويق، وهي قبره الموهوم، إن لم يكن قُبِرَ تحتها ــ الله أعلم ــ فعُبدت الصخرة.
إذا علمتَ هذا فأقول:
الجواب الأول: قد يكون عَمْرُو بن لُحَيٍّ قال لهم: إنَّ تلك الصخرة مباركة لأنها كانت بقرب الأصنام وكان يلتُّ عليها السويق للحاجِّ، ثم إنها ابتلعت صاحبها مع أنَّ وصف ذلك السادن وهو لفظ اللاتّ مشدَّدًا يقارب اسم أحد الملائكة اللات مخفَّفة، اختلق لهم عَمرو هذا الاسم مروِّجًا لصحته بأنه مشتقٌّ من لفظ الجلالة كما ذكره الواحدي وغيره (١)، فينبغي أن تُجعل تذكارًا لهذا الملَك وتُسمَّى باسمه اللات، فقرأ ابن عباس ــ إن صحَّ عنه ــ وبعضُ تلامذته بالتشديد، كأنه والله أعلم تحاشيًا عن النطق بها مخفَّفة لما في [س ١٢٢/أ] وضْع هذا الاسم كذلك من الكفر والبَهْت، وقد يكون في ذلك نقلٌ عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وهو الظاهر، وقرأها الجمهور بالتخفيف اتِّباعًا، ولأنَّ هذا الاسم كذا وُضع، وحاكي الكفر ليس بكافر.
ومَنْ وقف عليها بالهاء نظر إلى أصل وضع الاسم، ومَنْ وقف عليها بالتاء حرص على ما قصده عَمْرو بن لُحيٍّ من موافقة الاسم لصفة ذلك
(١) انظر: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ١/ ٤٢٣، وزاد المسير ٨/ ٧٢، وروح المعاني ٢٧/ ٥٥.