للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فثبت بهذا أنَّ الملائكة لا يشفعون إلا لمن ارتضى ربهم عز وجل، إذن فالعاقل لا يوجِّه همَّته إلَّا إلى رضا الله عزَّ وجلَّ، وإذا حصل على ذلك لا يهمه غيره؛ لأنه إما أن يُنِيلَه سبحانه وتعالى مرادَه بدون شفاعة، وإمَّا أنْ يأذنَ للملائكة فيشفعوا له، وهم بطبيعتهم يشفعون لأنهم مستغرقون في محبة الله عز وجل، وقد علموا أنه سبحانه وتعالى ما أذن لهم في الشفاعة [س ١٢٩/أ] لهذا الشخص إلَّا وهو يحبها. لنفرض مُحالًا أنهم لا يحبُّون الشفاعة حينئذٍ أوْ لا يشفعون, أليس قد حصل المقصود وهو رضا الله عز وجل، وإنما يأذن للملائكة في الشفاعة إظهارًا لكرامتهم عنده ... (١).

ألستم تعترفون أنَّ الله عزَّ وجلَّ بيده ملكوت كل شيء، ومن ذلك قلوبُ الملائكة خصوصًا, وقد ثبت أنهم ليسوا إلَّا عبادًا لله تعالى، فإن فُرِضَ أنهم قد يشفعون بدون أمر الله (٢) فهو سبحانه وتعالى الذي يوجِّه قلوبَهم إلى الشفاعة أو عدمِها، وإذا كان الأمر هكذا فالمهمُّ هو رضا الله عزَّ وجلَّ.

وإذا كان كذلك فرِضَا الله عزَّ وجلَّ إنما يُكْتَسَب بطاعته، فإنْ علم يقينًا أنه أمر بشيء اتَّبَع ويَتْرُك ما لا يعلم أطاعة هو أو معصية، ويكتفي بصدق القصد أنه لو علم كيف يطيعه لأطاعه, كما صحَّ عن زيد بن عمرو بن نفيل, فإنه تَرَكَ عبادةَ غير الله تعالى، وكان يقول: اللهم إني لو أعلم أحبَّ الوجوه إليك لعبدتُّك به، ولكني لا أعلم, ثم يسجد على راحته (٣). والمشركون قَبْلَ بَعْثِ محمَّد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لم يفعلوا هكذا، وكذلك مَنْ أدركتْه


(١) هنا ملحق ذهب أوله بسبب البلل.
(٢) هنا نحو كلمتين لم تظهرا في الأصل, ولعلهما: فإنهم عباده.
(٣) مضى تخريجه ص ١٠٦.