كلُّ ذلك بناء على ما في أذهان أولئك القوم، ويصحُّ أن يقول لهم: عَزَّة معدومة لا يوجد إلَّا اسمها, أي: لأنها فيما يحسبون بنتُ الملك وليس للملك بنت، ويصحُّ أن يقول لهم: إنما عَزَّة بنت الحجَّام.
إذا تقرَّر هذا فالألفاظ التي رُويت في قصَّة الغرانيق إن صحَّت جارية على الاعتبار الأوَّل، وكان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم إن كان قال ذلك رأى أنَّ قول الله تعالى:{أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى} الآيات يؤدِّي معنى ما ذكرنا في المثال من قول الناصح: ولكنها ليست أنثى ولا بنت الملك إلخ، ولكنَّ الشيطان لعب بالمشركين فلم يُصغوا إلى هذه الآيات.
وبهذا تنحلُّ جميع المشكلات في تفسير الآيات ويتمُّ الجواب عن قصَّة الغرانيق ويتجلَّى ما في هذه الآيات من حُسن السبك وبَدَاعة النظم كما سيأتي تمامه. ولله الحمد.
قال تعالى:{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} هذا بناءً على الاعتبار الثاني، فالنفي على ظاهره لأنه ليس في الوجود بنات لله تعالى ولا يوجد منها إلا الأسماء التي اختلقوها، وهذا كما لو سُئلت عن العنقاء، فقلت: لا يوجد منها إلا اسمها، بخلاف ما لو جُعل الكلام في الأصنام أنفسها فإنها موجودة فلا يصدُق عليها أنها ليست إلَّا أسماء مع بقائه على ظاهره.
وقوله تعالى:{أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى}[النجم: ٢٤] قال البيضاوي وغيره (١): (أم) منقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار، والمعنى: ليس له [٣١٩] كل ما
(١) تفسير البيضاوي ص ٦٩٨, وتفسير أبي السعود ٨/ ١٥٩, وروح المعاني ٢٧/ ٥٨.