أعذارَهم بحسب الظاهر, إلا أنه عليه الصلاة والسلام احتجَّ عليهم بذلك بناءً على أنهم يزعمون أنَّ عبادتها تنفعهم وأنَّ طريقتهم مقبولة مستحسنة, فبيَّن لهم عليه الصلاة والسلام فسادَ زعمهم" (١).
أقول: لا يخفى ما في هذا الجواب من الضعف. وعندي أجوبة أخر.
[٣٥٦] الأول: أن الأعذار التي ذكرها لا تدفع كون المشركين يعبدون الأصنام حقيقة، فإنه يقال لهم: لم تعبدون ما لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر؟ فيقولون: نعبده تقربًا إلى أشخاص يسمعون ويبصرون وينفعون ويضرون، فيقال لهم: لنفرضْ أنَّ هناك أشخاصًا بهذه الصفة، ولكن هل أمروكم بعبادة الأصنام؟ فيقولون: لا، ولو كانوا أمرونا بذلك لما أطلقنا على الأصنام آلهة، ولا قلنا: إننا نعبدها, وهذا كما كان مشركو العرب يعظِّمون الكعبة والحجر الأسود نحوًا مما يعظِّمون الأصنام، بل من بعض الوجوه أشدَّ من تعظيم الأصنام كما يأتي, ولم يسمُّوا الكعبة إلهًا، ولا قالوا: إننا نعبدها، وإنما ذلك لأنهم كانوا يعظِّمونها طاعة لله عزَّ وجلَّ لما علموه مِن أمره بذلك بما بلَّغه خليله إبراهيم ورسوله إسماعيل وتواتر إليهم، بخلاف الأصنام وغيرها مما كانوا يعبدونه فإنهم يعلمون أنهم اخترعوه بأهوائهم، وسيأتي تحقيق هذا وتوجيهه إن شاء الله تعالى.
[٣٥٧] وعلى هذا فإنهم يقرُّون بأنهم اتَّخذوا الأصنام آلهة وعبدوها، وبهذا الاعتبار قد سوَّوها برب العالمين، فكيف يسوَّى برب العالمين ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عن عابده شيئًا؟ وأعذارهم في عبادة الأصنام لا تدفع هذا.