للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد مرَّ (١) قول الزجَّاج ــ فيما نقله ابن هشامٍ (٢) ــ أن المعنى في قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام: ١٥١]. قال: «الأصل: «أبيِّن لكم لئلا تشركوا»، وذلك لأنهم إذا حرَّم عليهم رؤساؤهم ما أحلَّه الله سبحانه وتعالى فأطاعوهم أشركوا؛ لأنهم جعلوا غير الله بمنزلته».

وبعد؛ فقد ثبت أن اليهود كانوا يعلمون أن حدَّ الزاني المحصن الرجم، وأن ذلك في التوراة حقٌّ، فشرع لهم أحبارُهم الاكتفاءَ بالجلد والتحميم (٣)، فاتَّخذوا ذلك دينًا يزعمون أن الله يحبه ويرضاه.

وأما النصارى فأمرهم أظهر؛ فقد ثبت عندهم أن عيسى عليه السلام أخبرهم أنه لم يُبعَث لنسخ التوراة وإنما بُعِث لتثبيتها، [٣٩٨] ثم خرج أحبارهم فأبطلوا أحكام التوراة التي كان عيسى نفسه يعمل بها، كالختان وتحريم لحم الخنزير وتحريم السبت وغيرها، زاعمين أنَّ ما شرعه بولس وغيره يكون دينًا يحبُّه الله ويرضاه.

وهكذا مشركو العرب كانوا يزعمون أنَّ ما شرعه عمرو بن لُحَيٍّ وأضرابه دينٌ يحبُّه الله ويرضاه، ولما كان يوم الفتح أُخرِجت من الكعبة صورتا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وبأيديهما الأزلام يستقسمان بها، فقال النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «قاتلهم الله، أما والله لقد علموا أنهما


(١) ص ٣٢٦. [المؤلف]. ص ٥٩٨.
(٢) المغني. [المؤلف]. ١/ ٢٥٠، وانظر: معاني القرآن للزجاج ٢/ ٣٠٣ - ٣٠٤.
(٣) التحميم: تسويد الوجه بالحُمَم، وهو الفحم. انظر: غريب الحديث لأبي عُبَيدٍ ٤/ ١٦، النهاية ١/ ٤٤٤.